سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط ليست كما اعتقدنا
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
السبت 16 سبتمبر 2017 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
فى الأشهر الثمانية التى مرت منذ بداية ولايتها، تواجه إدارة ترامب صعوبة فى ترجمة وعودها بإحداث تغيير بعيد المدى فى السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، إلى استراتيجية واسعة تستند إلى أسس واضحة يمكن انطلاقا منها الدفع قدما بمجموعة خطوات يؤدى تطبيقها إلى تحقيق الأهداف المعلنة.
يبدو أن الارتياح الذى ساد داخل دول فى الشرق الأوسط فى إثر قرار الرئيس ترامب بدء جولاته خارج الولايات المتحدة بزيارة إلى السعودية وإسرائيل، بعد أن خسرت الولايات المتحدة خلال فترة أوباما مكانتها كقوة عظمى مؤثرة فى المنطقة، حلّ محله بوادر خيبة أمل وتخوف من أن الإدارة لا تستطيع أو ربما لا ترغب، فى تغيير جوهرى لسلوك الولايات المتحدة فى المنطقة.
وبمرور الوقت يبدو أن «سحر» الرئيس المهدِّد وغير المتوقعة خطواته قد زال، وإذا كان ظهر فى البداية أنه بالإضافة إلى التصريحات «القوية» سنشهد مبادرات جديدة تقدم جوابا على مخاوف حلفاء الولايات المتحدة، فقد تبين بسرعة كبيرة أنه باستثناء توسيع العمليات العسكرية للقضاء على تنظيم داعش، ليس لدى الولايات المتحدة الحافز ولا الجرأة لمواجهة التحديات التى يفرضها الواقع الإقليمى المعقد.
بالتأكيد يمكن أن نربط أسباب ذلك بحاجة الإدارة الأمريكية لمواجهة أزمات داخلية، ومجموعة تحديات مهمة فى مناطق أخرى فى أنحاء العالم (كوريا الشمالية).
عمليا، الانطباع السائد هو أن الإدارة الأمريكية سارعت إلى «الاستسلام» فى مواجهة استمرار تمركز إيران فى بؤر المواجهة المركزية خاصة فى سورية، كما سلمت أيضا بالهيمنة الروسية فى تقرير جدول العمل الأمنى والسياسى فى هذا البلد. ويبرز أيضا أن تصريحات هذه الإدارة فيما يتعلق بإنشاء جبهة عربية واسعة تنهار فى ضوء المواجهة التى يلاقى المسئولون الكبار فى الإدارة صعوبة فى حلها، والتى نشأت تحديدا بين حلفائها فى الخليج.
الجهود التى تبذلها الإدارة فى هذه الأيام لبلورة سياستها حيال موضوع الاتفاق النووى [مع إيران]، هى تعبير آخر عن ارتباك الخبراء المهنيين المضطرين إلى تقديم أفكار من أجل وضع خطة عمل قبل منتصف أكتوبر (الموعد الذى يجب على الإدارة أن تؤكد فيه للكونجرس أن إيران ملتزمة الاتفاق). إن هدف العصف الفكرى محاولة التوصل إلى طريقة لـ«تربيع الدائرة». طريقة تستجيب من جهة إلى إرادة الرئيس ترامب، المهتم بالتوصل إلى إلغاء الاتفاق الذى يشكل إرثا أساسيا للرئيس السابق فى البيت الأبيض لم ينجح بعد فى تغييره، وتخفف من جهة أخرى قدر الإمكان الأضرار المحتملة التى قد تتعرض لها الولايات المتحدة، مثل: تحميلها مسئولية نسف الاتفاق، وعزلها، وإلحاق ضرر إضافى بعلاقاتها مع حلفائها الأوروبيين.
إن الجهود الفاشلة للسفيرة الأمريكية فى الأمم المتحدة فى إقناع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمطالبة بزيارة منشآت عسكرية فى إيران، واستغلال ذلك فى ما بعد لرفض إيران المتوقع لهذه الزيارة بإعلان إلغاء الاتفاق النووى، يؤكد إدراك الإدارة الأمريكية بأنها لا تملك «دليلا تكنولوجيا قاطعا» يمكن أن يساعدها. وحتى لو قررت الإدارة فى النهاية إبلاغ الكونجرس بأن إيران لا تتقيد بالاتفاق، وابتدأت فى هذه الأثناء (وفقا للقانون) فترة الـ60 يوما للنقاشات الداخلية الأمريكية إلى حين اتخاذ قرار فى الكونجرس، فلا يبدو أن شبكة العلاقات المضطربة القائمة بين إدارة ترامب والأوروبيين والروس تتيح الدفع قدما بعملية بلورة اتفاقات فى محور الدول الخمس +واحد (الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن فى الأمم المتحدة زائد ألمانيا)، يمكن أن تساهم فى إنشاء جبهة موحدة فى مواجهة إيران.
مثل هذا التطور إذا لم يحصل على تأييد سائر الدول المشاركة فى الاتفاق، وهى أوضحت معارضتها لمثل هذه الخطوة أيضا على خلفية الصفقات الاقتصادية التى وقعتها مع إيران، فإنه يمكن أن يؤدى إلى أزمة بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين مثل الأزمة مع روسيا والصين، ومن شأن أزمة كهذه أن تكون لها تداعيات بعيدة المدى على الساحة الدولية.
وبالنسبة إلى إسرائيل، حتى لو كان هناك تطابق فى الأهداف والمصالح بين الدولتين، فإن ترسخ رواية تتحدث عن إدارة أمريكية ضعيفة ومترددة، يمكن مع مرور الوقت أن يضر بمصالحها الحيوية، ويمكن أيضا أن يؤذى عنصرا مهما فى الردع الإسرائيلى الذى يعتمد، من بين أمور أخرى، على الطريقة التى تُفسر بها سياسة حليفتها الولايات المتحدة من جانب أعدائها فى المنطقة.