تأملات حول الملك تشارلز الثالث
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 16 سبتمبر 2022 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
تحدثت فى مقال سابق عن الترحيب بالأمير تشارلز كملك منصف مع الإسلام والمسلمين واستشهدت بكثير من مواقفه النبيلة ومنها كلماته الرائعة فى جامعة هارفارد منذ سنوات طويلة مدح فيها الإسلام والقرآن، قال إن الإيمان والتوحيد طاقتان روحيتان هائلتان تحتاجهما الأمم وأن للعرب والمسلمين حضارة عظيمة نحتاجها جميعا واستشهدت بمدح شيخ الأزهر وبمواقفه الكثيرة وتواضعه الكبير حتى مع الطيور والنباتات والحيوانات فإذا بجيش من السفهاء يشتموننى فى وسائل التواصل الاجتماعى بأنه كافر والكفر ملة واحدة، وأننى لا أعرف شيئا عن تاريخ بريطانيا وكأنه المسئول عنها، ولهؤلاء أقول لهم:
لم يرسل الرسول ﷺ أصحابه إلى الحبشة إلا لعلة واحدة هى العدل، وذلك واضح فى توجيه النبى الكريم للصحابة «اذهبوا إلى ملك لا يُظلم عنده أحد» فالعلة هى عدم الظلم وليس النظر إلى عقيدته، فقد يكون مسلما ويظلمك، النجاشى كان مشهورا بالعدل وكان ملكا مسيحيا، وبهذا تكون المسيحية قد احتضنت الإسلام حال ضعفه ورد لها الإسلام الجميل بعد ذلك فى مصر بواسطة عمرو بن العاص الذى عاش تجربة النجاشى كلها، وكررها فى مصر مع المسيحيين عدلا ورفقا، والغريب أن أكثر المتدينين كلما حدثتهم عن أمر أو شخصية عامة يحدثك عن مآل الشخص يوم القيامة أو يحدثك عن عقيدته رغم أنك تتحدث عن عدله أو إنصافه وليس عن عقيدته أو آخرته، فالآخرة موكولة إلى الله، والغريب أن بلادا مثل بريطانيا وألمانيا وكندا لجأ إليها قرابة 20 مليون لاجئ ومهاجر مسلم وعربى، ورغم ذلك البعض لا ينصف عدلهم مع هؤلاء المهاجرين وإنصافهم وحرياتهم بقدر ما يتحدث عن أن الكفر ملة واحدة، وأنهم فى النار وأن عقيدتهم باطلة، وهذا ليس موضوع حديثنا، بل نتحدث عن العدل والإنصاف فى بلادهم.
الذى لا يفرق بين هرقل ملك الروم وكسرى ملك الفرس لا يعرف شيئا عن مقاصد الإسلام العليا، فهرقل ملك الروم استقبل رسالة الرسول بالترحاب وسأل عن بعض قومه الموجودين فى الشام وأحضرهم وسألهم 11 سؤالا خرج منها بـ 11 إجابة واستنتج منها 11 استنتاجا عقليا رائعا، مثل الذى لم يكذب قبل الرسالة لن يكذب بعدها وما دام ليس من أسرته ملك إذا لا يطلب الرئاسة ولا يطلب مُلك أبيه، أتباعه يزيدون ولا ينقصون وكذلك أمر الأيمان حتى يتم، ثم خلص بعد ذلك أن مُلك أمة محمد ﷺ سيصل إلى عاصمته بالقدس وأنه لو كان عند الرسول لغسل تحت قدميه كناية عن الاتباع والاقتداء، وأنه لو خلىَّ بينه وبين نفسه لاتبع النبى محمد ﷺ.
هذا بخلاف كسرى الذى غضب من رسالة النبى وتقديم اسم النبى على اسمه، ومزق الرسالة وطلب من عامله على اليمن القبض على الرسول ﷺ، والقصة كلها معروفة فى كتب السيرة.
وهذا يبين الفرق الشاسع بين فكر الغرب والشرق، فهرقل كان ديمقراطيا مفكرا متأملا بعكس كسرى الذى كان غضوبا ديكتوريا يهتم بالظاهر ولا يتأمل الجوهر وليس أمامه سوى القهر والقتل.
والفرق بينهما هو الفرق بين حضارة الغرب الآن وحضارة الشرق حتى الآن، فالحريات فى الغرب تختلف عن الصين وروسيا وكوريا الشمالية جذريا، والذى يدعى أنهم ملة واحدة أو شىء واحد لن يفهم شيئا عن الإسلام ولا مقاصده أو فقهه العظيم، ولا فقه مراتب الأعمال ولا فقه الأولويات.