من غزة إلى الجنوب اللبناني.. أي سيناريوهات؟
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 16 سبتمبر 2024 - 6:00 م
بتوقيت القاهرة
كيف يبدو المشهد الراهن خاصة أنه بعد أقل من شهر من الزمن ستبلغ الحرب على غزة عامها الأول: لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها التى رفعتها منذ اليوم الأول للحرب.
وصارت لأسباب سياسية داخلية أسيرة تلك الأهداف العالية السقف وغير الواقعية: أهداف تتمثل بالتخلص كليا من حماس وفرض السيطرة الأمنية العسكرية على القطاع مع تأمين إدارة من «صيغة مركبة» دولية عربية فلسطينية للقطاع فى ظل إحكام السيطرة الإسرائيلية.
يبدو أن التفاوض المتقطع وذا المراحل الثلاث كما طرح منذ اليوم الأول صار بمثابة عملية تقطيع الوقت إلى أن تأتى معطيات جديدة تفرض إحداث تقدم فعلى نحو ما يجب أن يكون عليه الوقف الشامل لإطلاق النار.
الأمر الذى يعنى الخروج الكلى من منطق الهدن المشروطة بالمطالب الإسرائيلية ضمن صيغ مختلفة ولكنها مكشوفة. الضفة الغربية طالتها نيران الحرب الإسرائيلية أيضا.
ومن الواضح أن الأطراف الدولية التى تحاول منع التصعيد فى الضفة لن تنجح كليا فى مسعاها للعودة إلى الوضع الذى كان سائدا ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر فى الضفة الغربية خاصة أن موقفها ما زال ضمن سياسة المطالبة والمناشدة وليس الضغط المباشر على إسرائيل لإنجاح مسعاها.
يعزز هذا الوضع أن استكمال تهويد الجغرافيا والديمغرافيا، كما نذكر دائمًا، يبقى الهدف الاستراتيجى الأساسى للسياسة الإسرائيلية التى لم تعد تشعر بضرورة إخفاء ذلك خاصة فى ظل العقيدة المسيطرة والحاكمة حاليا فى إسرائيل. لن يكون بالأمر السهل تحقيق التهدئة الفعلية فى الضفة الغربية فى ظل ما أشرنا إليه من معطيات وخاصة فى ظل استمرار حرب الاستنزاف القائمة والمفتوحة فى الزمان والمكان.
ويبدو أن الأولوية الإسرائيلية تتجه للتركيز على الجبهة اللبنانية. التصعيد الكلامى الحامل للتهديدات بشكل متكرر بإعطاء أولوية «لجبهة الشمال» عبر حرب مختلفة فى قوتها قد تحصل «متى تستكمل الاستعدادات» بين أسابيع وأشهر، تبدو كجزء أساسى فى الحرب النفسية تجاه العدو فى «الشمال».
وهى فى الوقت ذاته يفترض أن تشكل لأصحابها «ورقة» للطمأنة والتهدئة السياسية فى الداخل التى بدأت حدة ودرجة انتقاداته بالازدياد تجاه الحكومة. الأمر الذى قد يهدد بقاءها.
يترافق ذلك بالطبع مع تصعيد فى القوة النارية، ولو بقى ضمن قواعد الاشتباك التى «تطورت» ولكنها بقيت ناظمة للحرب الدائرة، وفى جغرافية الحرب التى صارت سوريا تدريجيا جزءا من «مسرحها» على جبهة الشمال باعتبارها العمق الاستراتيجى الهام، بأبعاد مختلفة، لجبهة «المساندة» عبر الجنوب اللبنانى.
نسمع عن استراتيجيات إسرائيلية مختلفة للتعامل مع جبهة الشمال. منها الاجتياح البرى وهو أمر مستبعد لعدم قدرة إسرائيل على تحمل تداعياته الخطيرة والمكلفة، ومنها عملية التفافية عبر الجولان المحتل وجنوب سوريا للوصول إلى البقاع ومحاصرة الجنوب اللبنانى عسكريا وهذه أيضا ذات تكلفة عالية وبالطبع غير مؤكدة النتائج. يحصل ذلك فيما تستمر عملية «تطوير» قواعد الاشتباك، ضمن حرب استنزاف ممتدة فى الجغرافيا وفى القوة النارية وعمليات الاستهداف. ما يمنع الخروج عن ضوابط حرب الاستنزاف الممتدة فى الزمان والمكان «توازن الردع» الذى يشكل عنصرا أساسيا فى منع اندلاع حرب كبرى.
يبقى السؤال قائما حول البديل عن حرب كبرى ولو مستبعدة.. هل يتم ذلك عبر تفاهمات بين الأطراف الفعلية أو الفاعلة وليس بالضرورة «الرسمية» فقط للحرب الدائرة حاليا؟ تفاهمات توفر تسويات وهدوءًا مرحليًا، أم أن البديل يكمن فى التوصل إلى صفقة إقليمية كبرى توفر الاستقرار بشكل أفضل وأطول زمنا من سلة التفاهمات التى أشرنا إليها. صفقة لا تخرج المنطقة نهائيا من مخاطر الحروب المختلفة الحدة والأطراف، طالما استمرت إسرائيل، دون أى وازع، فى سياسة بناء إسرائيل الكبرى عبر استكمال الضم الفعلى للضفة الغربية والطرد التدريجى لسكانها.