المعادلة الروسية الأمريكية/ الغربية على وشك الانفراط

نبيل فهمي
نبيل فهمي

آخر تحديث: الإثنين 16 سبتمبر 2024 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

توفرت لى فرص عديدة خلال العام الماضى وحتى الأسابيع الأخيرة للانخراط فى مناسبات ومناقشات حول أوكرانيا، شملت مسئولين وخبراء روسا من جانب وغربيين من جانب آخر، وتابعت باهتمام ودقة التصريحات المتبادلة للمسئولين على الجبهتين، وعلى وجه الخصوص فيما صدر عن روس أو أمريكيين.

 


ونظرا لأهمية وحساسية الموضوع، وقبل التطرق لشرح مبرراتى، لعله من المناسب أن أبدأ بخلاصتى من كل ذلك، ألا وهى أن النزاع فى أوكرانيا لم يعد حول أوكرانيا، وأصبح الآن حول العلاقات الروسية الأمريكية ومعها الغرب، والتى وصلت إلى مفترق طرق خطير، يحمى الصدام ويوتره؛ حيث فتح كل منهم الباب إلى تصعيد أخطر، مع تصورات لعمليات عسكرية أوسع باستخدام أسلحة أكثر فتكا، إذن لم يعد الصدام والأهداف تكتيكية، ولقد تحولت إلى ما هو أوسع وأخطر من ذلك بكثير ترتبط بالمكانة وحتى الوجود.
وخلال التفكير فيما وصلت إليه تلك العلاقات والتوتر والتصعيد غير المسئول من الجانبين، تذكرت الدخول كدبلوماسى مصرى شاب فى سبتمبر ١٩٧٨ إلى قاعة لجنة نزع السلاح الدولية المشكلة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة والتى تنعقد فى المقر الأوروبى لمنظمة بجنيف؛ حيث فوجئت فى الأيام الأولى من مناقشات اللجنة بسفراء ودبلوماسيين من الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة يتباهون حينذاك بأن الأمن والاستقرار تحقق بينهم بتبنى سياسات ومفاهيم سميت بنظرية «التدمير المتبادل المؤكد Mutually assured destruction»، وأتذكر جيدا استغرابى من الطرح، وقناعة الدولتين دائمتى العضوية فى مجلس الأمن الدولى أن التهديد المتبادل والمتوازن بينهم هو السبيل الأفضل لتحقيق الأمن والأمان، وهى نظريات واهية وعبثية لأن توازن القوة غير ثابت والتيارات السياسية الوطنية لكل منهم تتغير، ومخاطر الحرب بالخطأ تتزايد مع التصعيد، فضلا عن أن هذا التوجه يتناقض مع مسئوليتهم المنصوص عليها فى الميثاق بحفظ الأمن والسلم الدوليين باعتبارهما دولتين دائمتى العضوية فى مجلس الأمن الدولى.
ولقد التقيت مع أصدقاء وخبراء من الجانبين الروسى والغربى، وخرجت من هذه اللقاءات أترحم على قادة القرن الماضى من الجانبين، وخشيت أننا على مشارف منزلق طرق يزيد من فرص وخطورة توسيع وتعميق الصدام عن قصد أو سهو، ويدفع الأطراف المتصارعة نحو مواجهة حتمية بأسلحة بالغة الخطورة.
خلاصتى هذه مبنية على ما سمعته من الروس، بما فى ذلك بعض ممن لم يكونوا من مؤيدى العمليات فى أوكرانيا أول الأمر، والتى اعتبرها شخصيا مخالفة للقانون الدولى؛ حيث شددوا على أن الغرب ليس معنيا بأوكرانيا فحسب، وأنه يريد إضعاف روسيا استراتيجيا وهو الأمر الذى يجب التصدى له بكل الطرق والوسائل.
وخلاصتى حول خطورة الموقف مبنية ومدعمة أيضا بما سمعته من أصدقاء وخبراء أمريكيين وغربيين؛ حيث تراوحت تعليقاتهم ومواقفهم بين من يرى أن اليمين الروسى يسعى لاستعادة المكانة والأوضاع على غرار الاتحاد السوفيتى، وأن هذا الخطر قائم حتى إذا اختفى بوتين من الساحة، لذا هناك من يرى أنه لم يعد كافيا إزاحة بوتين من الساحة، أو حتى منع روسيا من الانتصار فى أوكرانيا، بل يجب وضع روسيا فى محلها والتعامل معها بوزنها الحقيقى، بل وصل النقاش والتقدير إلى وصف روسيا بأنها دولة محدودة الإمكانيات الاقتصادية ويتآكل نفوذها السياسى، وليست دولة كبرى بل أقرب أن تكون صاحب محطة وقود يمتلك السلاح النووى.
وتقييم الأمور من الجانبيين بأن التحديات الوجودية أصبحت واقعا، وأن هناك فرصة لإحداث تغيير استراتيجى أمر جد خطير، لأنه يدفع الأطراف إلى الاستعداد والتخطيط من حيث البرمجة والأسلحة إلى تصعيد الصدام العسكرى، وبما يرفع من احتمالات الصدام عمدا أو خطأ، وهو ما شهدناه أخيرا فى النقاش عن السماح لأوكرانيا بتوجيه الصواريخ طويلة المدى نحو الأراضى والأهداف الروسية؛ حيث أعلن مسئولون روس أن إطلاق هذه الصواريخ المتوافرة من ترسانات غربية يعنى أن الحلف الأطلنطى دخل فى حالة حرب مع روسيا، كما تزامن مع هذا دعوة خبراء روس إلى مراجعة سياسة ضبط واستخدام السلاح النووى من جانب روسيا، فضلا عن تهديد روسيا بتدمير وحرق كامل لأهداف أوكرانية إذا تعرضت روسيا للصواريخ طويلة المدى.
والخطورة فيما نتابعه الآن لا تقتصر على تبادل التصريحات الرنانة، أو فى تباين المواقف بين روسيا والولايات المتحدة والغرب حول أوكرانيا، وإنما الخطورة الحقيقية تقع فى أن طرفا يشعر بأنه مستهدف وجوديا أو على الأقل كدولة هامة فاعلة على المستوى الدولى، بما قد يبرر تصعيدا عسكريا واستخدام أسلحة استراتيجية، وطرفا آخر قلق بشدة من طموحات روسية سياسية واستراتيجية، ولديه قناعة بأهمية التصدى لها الآن لخطورة هذه الطموحات وكذلك لمحدودية القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الروسية، إذن هناك خطر وظروف ملائمة تغذى التوجه نحو التصعيد.
مع اهتمامى الأول بالأوضاع الشرق أوسطية ورفضى الكامل لمعاناة الشعب الفلسطينى من الإجرام الإسرائيلى، وتمنياتى بأن تكون هناك مواقف عربية أكثر قوة وصلابة تؤدى إلى وقف إطلاق النار وبدء التحول نحو استقرار الأمور وإحياء التحرك نحو حل الدولتين، أعتقد أن على سكرتير عام الأمم المتحدة، وكذلك الحكماء فى المجتمع الدولى من خارج الشرق الأوسط وغير المنتمية إلى قطبى الصراع روسيا والغرب، عليهم إعطاء المزيد من الاهتمام بالعلاقات الروسية الغربية المرتبطة بالأحداث فى أوكرانيا وما تشهده من تصعيد سياسى وعسكرى؛ حيث تشهد الآن تحولا جوهريا يتجه نحو مفترق بالغ الخطور يمس مصالحنا جميعا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved