الثورة من أجل محتوى جديد للديمقراطية

فريدة النقاش
فريدة النقاش

آخر تحديث: الأحد 16 أكتوبر 2011 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

قرأت بعناية المقال المهم للأستاذ «جميل مطر» بعنوان ثوار وثوار فى عدد «الشروق» 3 أكتوبر ووجدت أنه يفتح الباب لمناقشة مشروع تجاوز النظام الرأسمالى على الصعيد العالمى باعتبار مثل هذا التجاوز عاد الآن للحياة بعد تحولات عاصفة ليصبح مطروحا على أجندة الشعوب بعد خيبة الأمل الكبرى إثر سقوط المنظومة الاشتراكية والتى يطرح مفكرون اشتراكيون سؤالا عن حقيقة كونها كانت اشتراكية أم لا ويسميها «سمير أمين» اشتراكية الأمر الواقع.

 

لعل أهم ما يطرحه «مطر» فى هذا المقال وفى سياق المقارنة بين الثورات العربية التى اندلعت ضد الديكتاتورية والاستبداد وفساد الأنظمة أى أنها ثورات ديمقراطية وبين حركات الاحتجاج أو الثورة فى الغرب وفى دول تديرها أنظمة حكم ديمقراطية، حيث يجرى تداول السلطة سلميا وبهدوء ومواعيد منظمة عن طريق صناديق الانتخاب، ويتساءل: أليست هذه الصناديق هى منتهى أمل الشعوب المحتشدة والمعتصمة فى ميادين وعواصم العرب؟ وأنا هنا أختلف حول هذه الخلاصة الأخيرة.

 

●●●

 

ذلك أن صناديق الانتخاب ليست وحدها منتهى أمل الشعوب العربية، والثورات ليست موجهة فحسب ضد الطبقة السياسية الحاكمة، بل إن الثورات العربية تطرح قضية أكثر تعقيدا وهى محتوى الديمقراطية بعد استكمال بعض أدواتها من انتخابات وحريات عامة.

 

ومحتوى الديمقراطية هو من وجهة نظرى جوهر الاحتجاجات الآن فى كل من أوروبا وأمريكا.

 

وهنا أصل إلى نقطة أخرى وهى الخاصة بالطبقة السياسية، ففى ظنى أن تعبير الطبقة السياسية يظل ناقصا إذا لم نحدد الطبيعة الاجتماعية لكل طبقة سياسية ونسأل هل تمثل هذه الطبقة السياسية دوائر رأس المال ورجال الأعمال والأغنياء عامة، كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية وكما هو الحال فى مصر أم هى تمثل دوائر العاملين والمنتجين من عمال وكادحين عامة، أم أنها تتعامل بجدية مع المشتركات الاجتماعية بين الطبقات لتقيم عدالة اجتماعية ما وتحميها وتطورها.

 

وليس من الضرورى أن يكون كل من ينتمى إلى هذه الطبقة السياسية واحدا من كبار الرأسماليين فى الحالة الأولى أو قائدا عماليا فى الحالة الثانية فما أكثر المثقفين الذين «خانوا» طبقاتهم وانتقلوا إلى مواقع أخرى بدافع المصلحة أو الاختيار الفكرى فضلا عن هؤلاء الذين انتقلوا اجتماعيا من موقع لآخر فصعد من صعد وانحدر من انحدر مع الديناميكية الهائلة للصراع الاجتماعى.

 

●●●

 

أما فى الحالة الثالثة أى النظام الذى يتعامل بجدية مع المشتركات الاجتماعية بين الطبقات ليقيم عدالة اجتماعية ويحميها مثلما هو الحال مع دولة الرفاه الاجتماعى التى عرفتها أوروبا وأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية فإن محتوى مثل هذا النظام يتحدد غالبا بالاتجاه السياسى الاقتصادى الرئيسى فيه وقد كانت سياسات الطريق الثالث التى طرحها كل من «كلينتون» و«تونى بلير» ونظر لها «أنتونى جدنز» ذات محتوى اجتماعى رأسمالى رغم استجابتها للتطلعات الشعبية فى حدود معينة، ولكنها مثلها مثل دولة الرفاه الاجتماعى دخلت فى أزمة بعد أن استنفدت امكانياتها وبلغت أقصى حدودها التاريخية، بعد أن ظلت السياسات الليبرالية المرشدة لها ومازالت حتى الآن تستبعد الصراع الطبقى تماما من رؤيتها، بينما يتأجج هذا الصراع على الصعيدين العالمى والمحلى بطريقة غير مسبوقة.

 

وفى نفس الوقت يفتح لنا البحث العلمى كل يوم جديدا فى قارة التاريخ تحت مفهوم علم التشكيلات الاجتماعية، حيث يستوعب البحث كما يقدم الواقع مادة غنية بكل تفاصيلها حول هذه التشكيلات ويحلل أشكال علاقاتها المختلفة ويكتشف علاقاتها الحميمة.

 

هذا ويتأكد الآن بكل وضوح أن الرأسمالية رغم مرور خمسة قرون على نشأتها لم تنجح كلية فى الوفاء بكل وعودها وبقى المجتمع الطبقى الرأسمالى طيلة الزمن يطرد على هامشه فقراء من كل نوع، ويكفى أن نعرف أنه فى أغنى دولة فى العالم هناك 40 مليون فقير بعض منهم هم الذين احتلوا حى المال والأعمال فى وول ستريت فى نيويورك قبل أيام احتجاجا على تركيز الثروة وزيادة الفقر إذ رغم قوة الإنتاج ووفرته تتسع قاعدة الحرمان وإن كان النظام الرأسمالى عبر تاريخه الطويل لم يتوقف أبدأ عن محاولاته الإصلاحية، إلا أنه على ما يبدو وقد وصل إلى أقصى حدوده، حتى أن دول شمال أوروبا التى طالما ضربنا بها المثل فى الحل الأمثل للمشكلات الاجتماعية الحادة أخذت تعانى، ومن معطف أزمتها يخرج النازيون الجدد ومؤججو الإسلاموفوبيا.

 

●●●

 

ويرى المفكر الأمريكى «نعوم تشومسكى» أن الضربات التى تسددها الولايات المتحدة لنفسها ليست بالابتكار الحديث، بل هى تعود إلى السبعينيات حين خضع الاقتصاد السياسى الوطنى لتحولات ضخمة أنهت ما أطلق عليه عموما ما يسميه العصر الذهبى لرأسمالية الدولة».

 

قال تشومسكى ذلك تعليقا على توحش الرأسمالية بعد تطبيق سياسات الليبرالية الجديد.

 

ويقول المفكر البيروفى «هرناندوسوتو» مؤلف كتاب لغز الرأسمالية «إن سبعين فى المائة من سكان العالم لا يتمكنون من الدخول فى الاقتصاد العالمى، ونسبة كبيرة جدا لا تتمكن من تصدير منتجاتها، وهم باختصار لايزالون خارج اللعبة».

 

وأخيرا أظن أن هناك الآن آفاقا بلا حد لنمو تجربة اشتراكية جديدة تتجاوز كل من الرأسمالية والاشتراكية البيروقراطية التى قامت فى الاتحاد السوفييتى وصحيح أنها أخفقت، ومع ذلك كتب المؤرخ اليسارى البريطانى «إيريك هوبزباوم» أن كلا من الرأسمالية والاغنياء قد توقفوا مؤقتا عن الشعور بالخوف لدى سقوط الاتحاد السوفييتى.

 

وهناك فى هذا السياق إنتاج نظرى وفكرى سخى على المستويات السياسية والاقتصادية مع وتجارب صغيرة وكبيرة بلا حصر.

 

وسوف تتعدد الصيغ والأشكال التى ستتخذها اشتراكية المستقبل وهنا يحضرنى المثل الصينى «أن المهم ليس لون القط المهم أنه يأكل الفئران».

 

وليس معنى أن الأفق ينفتح الآن للانتقال إلى الاشتراكية مجددا أن مثل هذا الانتقال سوف يتحقق الآن بل ربما يستغرق ذلك عقودا طويلة، لكنها فى كل الحالات لن تكون بنفس الطول الذى انتقلت به البشرية من النظام الإقطاعى إلى النظام الرأسمالى، خاصة أن الانتقال إلى الاشتراكية يحتم موضوعيا أن تتزاوج فيه وتتكامل الحقوق الديمقراطية مع الحقوق الاجتماعية دون انفصام وهو ما أقصده بالمحتوى الذى يجعل الديمقراطية ذاتها أداه للتقسيم العادل والمنصف للثروة القومية، كما أنها كانت ولاتزال أداة لتحصين الحريات العامة وليست مجرد الوصول بشفافية ونزاهة إلى صندوق الانتخاب مع الإقرار بأن كل إصلاح فى النظام الرأسمالى القائم يستجيب للأشواق والتطلعات الشعبية سيكون دائما خطوة على طريق النضال فى سبيل الاشتراكية للقضاء على الاستغلال الذى هو جوهر النظام الرأسمالى، ومادام هناك استغلال يصبح ما يسمى بالديمقراطية الخالصة ناقصا ويصبح صندوق الانتخاب عاجزا عن تحقيق العدالة.

 

مع ملاحظة أن التقدم الإنسانى ليس خطأ تصاعديا لكنه تفاعل معقد ومركب كل خطوة للأمام فيه قد لا تتحقق إلا على حساب خطوة جزئية إلى الوراء وربما يكون هذا هو ما يحدث الآن للثورة المصرية.. ولكن هذا موضوعا آخر يقودنا لمناقشة السؤال المهم الآخر الذى طرحه «مطر» حول العلاقة بين العمل القاعدى الناجح الذى يقوم به المناضل الهندى أناهازارى والعمل السياسى المعزول لشباب الثورة المصرية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved