العلاقات العربية - الإيرانية إلى أين؟

محمد السماك
محمد السماك

آخر تحديث: الأحد 16 أكتوبر 2011 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

لماذا تحرض إيران على التمرد ضد السلطة فى البحرين وتدعم السلطة فى سوريا؟. ما هى المقاييس التى تتحكم فى صناعة هذا الموقف؟ وما هى الأسس التى تقوم عليها معادلة الموقف الإيرانى بأن المعارضين فى البحرين على حق وأن المعارضين فى سوريا على باطل؟

 

هل المقياس هو فى الانتماء المذهبى أو فى الولاء السياسى؟. ولماذا تتعاطف الدول العربية مع الانتفاضة فى سوريا وتتجاهل ما يجرى فى البحرين؟. وهنا أيضا، أى مقياس يتحكم فى صناعة هذا الموقف؟ هل هو قائم على اعتبار الحراك المعارض فى البحرين أداة من أدوات الابتزاز الإيرانى؟ وإذا كان هذا الاعتبار صحيحا، هل يبرر السكوت عن انتهاك حقوق الإنسان وممارسة الشدة فى قمع مظاهرات الاحتجاج؟

 

ولماذا تعتبر إيران الانتفاضة المصرية ضد نظام الرئيس السابق حسنى مبارك خطوة على طريق الثورة التى فجرتها إيران ضد الشاه فى عام 1979 وتقليدا لها؟ ولماذا تتعامل مع الانتفاضة السورية على أنها عمل من أعمال الشيطان الأمريكى؟ هل لأن النظام المصرى السابق كان خصما لها، ولأن النظام السورى صديق وحليف؟ وأين تقع حقوق الإنسان فى مصر وفى سوريا من حسابات الخصومة الإيرانية مع نظام مبارك ومن حسابات الصداقة مع نظام الأسد؟.

 

ولماذا تعتبر الدول العربية الانتفاضة حقا مشروعا للشعب الليبى، فتذهب إلى حد التحالف مع حلف شمال الأطلسى دفاعا عن هذا الحق؟ ولماذا تتعامل مع أحداث البحرين على أنها تمرد وعصيان فترسل دول مجلس التعاون قوات عسكرية لمساعدة السلطة على ضبط الأمن؟ وما هى العوامل التى تجعل الشعب الليبى يستحق كل هذا الدعم (وهو يستحقه فعلا فى ضوء الفجور التسلطى الذى مارسه العقيد القذافى طوال أربعة عقود) والتى تحرم فريقا من شعب البحرين من هذا الدعم؟

 

●●●

 

عندما انفجرت الانتفاضة الشعبية فى إيران فى خريف 2009 وشتاء 2010 بقيادة الثلاثى محمد خاتمى ومهدى كروبى وحسين موسوى جوبهت بالقمع الشديد وأدت عمليات القمع إلى سقوط ضحايا كثيرين. مع ذلك لم تحرك الدول العربية ساكنا، وكأن ما حدث لم يكن يعنيها من قريب أو من بعيد. ولكن إيران تتصرف اليوم وكأنها معنية مباشرة وبعمق وبصورة مباشرة وغير مباشرة بأحداث البحرين وشرق السعودية، وقبل ذلك بأحداث اليمن (حركة الحوثيين). ولقد ذهبت إلى حد اعتبار أى موقف أو إجراء عربى أو دولى ضد السلطة فى سوريا، موجها ضدها أو ضد مصالحها الاستراتيجية.

 

فهل يجوز لإيران ما لا يجوز للدول العربية؟. بمعنى هل يجوز لإيران التدخل فى بعض شئون لبنان أو فلسطين أو دول مجلس التعاون أو اليمن أو مصر أو سوريا.. ولا يجوز لأى مسئول عربى أن يدلى ولو بتصريح يشيد فيه بأخلاقيات الرئيس خاتمى مثلا؟. كيف يكون التحريض فى البحرين وفى شرق السعودية واليمن الخ.. حقا مشروعا لإيران، وتكون قراءة الفاتحة على أرواح ضحايا الانتفاضة الإيرانية المقموعة تدخلا فى الشئون الداخلية؟.

 

ثم هل يعقل أن تذهب إيران إلى حد تدبير محاولة لاغتيال السفير السعودى فى الولايات المتحدة؟ وهل بمثل هذه الجرائم تعالج الخلافات بين الدول خاصة بين دول إسلامية ومتجاورة؟.

 

لقد كانت العلاقات العربية الإيرانية فى عهد الرئيس خاتمى على أحسن ما يكون، فلماذا تدهورت فى عهد الرئيس أحمدى نجاد إلى أسوأ ما يكون؟ أليس غريبا استمرار هذا التدهور والإمعان فى ارتكاب المزيد من الأخطاء والخطايا القاتلة والمدمرة؟ أليس الأغرب من ذلك أن أحدا فى إيران لا يجرؤ على إدانته وانتقاده؟ ثم أليس مثيرا للريبة أنه لم تجر أى محاسبة لأى مسئول ولا مراجعة لأى موقف بما يساعد على إعادة العلاقات بين الجانبين إلى ما تقتضيه مصالحهما المشتركة؟.

 

لقد أدى هذا التدهور إلى خسارة عربية لحليف إسلامى محتمل قوى وكبير، وإلى خسارة إيرانية لحليف عربى محتمل أيضا قوى وكبير أيضا وكان يا مكان الحليفان «المفترضان»، إيران والعالم العربى، أن يواجها عدوهما الإسرائيلى المشترك، وأن يسترجعا الحقوق الفلسطينية المغتصبة من بين أشداقه. ولكن خلافا للقاعدة الإسلامية التى تصف المسلمين بأنهم «أشداء على الكفار رحماء بينهم»، يبدو العكس تماما. فالجانبان، الإيرانى والعربى، «رحماء على الكفار أشداء بينهم». وتعكس علاقاتهما هذا الواقع المأساوى المرير.

 

●●●

 

فى عهد الرئيس خاتمى، وخلال ترؤسه لمنظمة المؤتمر الإسلامى (أصبح اسمها الآن منظمة التعاون الإسلامى)، بدت إيران والدول العربية وكأنها كتلة واحدة. ولقد بنيت آمال عريضة على هذا الواقع، إلا أنها مع التغيير الذى أطاح بالنهج السياسى للرئيس خاتمى، تبددت كل تلك الآمال، وتحول الحلم الجميل إلى كابوس: من الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى فى الخليج إلى غزة فى فلسطين مرورا بالبحرين واليمن وانتهاء (؟) بلبنان.

 

لعبت الولايات المتحدة دورا أساسيا فى تمرير هذا التحول والتشجيع عليه. فالحرب الأمريكية على أفغانستان (2003) أدت إلى استقواء إيران بعد أن قطعت الحرب مخالب حركة طالبان. والحرب الأمريكية على العراق (2005) زادت فى استقواء إيران بعد أن قضت على عدو إيران اللدود، الرئيس العراقى السابق صدام حسين وعلى نظامه الاستبدادى.

 

وبذلك تمكنت ايران من أن تخرج من حصار دولى وإقليمى لتفرد جناحى نفوذها شرقا عبر أفغانستان حتى الباكستان، وغربا عبر الخليج العربى وحتى البحر المتوسط.

 

توافق ذلك مع الاعتقاد الأمريكى بأن الارهاب الذى ضرب الولايات المتحدة مصدره عربى (عناصر وتمويلا) ومرتعه أفغانى وباكستانى.

 

عرفت إيران كيف توظف هذا الاعتقاد لتحقيق مكاسب استراتيجية مهمة. وكان من الطبيعى أن لا تضيع مثل هذه الفرصة كدولة من كبرى دول المنطقة، عانت كثيرا من الحرب التى شنها عليها عراق صدام حسين، وعانت طويلا من العمليات الإرهابية التى ارتكبها طالبان أفغانستان.

 

ومع تحقيق هذه المكاسب المهمة، تضخمت عقدة الاستعلاء الإيرانية على دول الجوار، وكان طبيعيا أيضا أن تتضخم. يعكس ذلك ان إيران التى كانت مستعدة للتفاوض مع دولة الإمارات العربية المتحدة حول تقرير مصير الجزر الثلاث، ضربت بمبدأ التفاوض عرض الحائط، وأعلنت ان الجزر إيرانية وانها غير قابلة لأى شكل من أشكال التفاوض ولا حتى الاحتكام إلى القضاء الدولى.

 

وهكذا تصدعت الثقة المتبادلة بين إيران والدول العربية وتهاوت الآمال على قيام جبهة موحدة تقف بقوة فى مواجهة إسرائيل. وبدا المشروع النووى الإيرانى مصدر قلق للدول العربية بدل أن يكون مصدر استقواء لها.

 

●●●

 

وفى ضوء هذه المتغيرات السلبية الخطيرة يمكن فهم التباينات الواسعة والعميقة فى مواقف كل من إيران والدول العربية من انتفاضات التغيير التى تعصف بالمنطقة والتى كانت إيران نفسها مسرحا لإحداها.

 

ورغم الهوة الواسعة بين الجانبين العربى والإيرانى، فإنها ليست عصية على التجسير. ذلك أن التباينات لا تقوم على أساس القيم أو المبادئ، ولكنها تقوم على مشاعر اللاثقة وعلى الاختلاف فى المصالح.. وعلى التناقض فى التحالفات. وهذه كلها قضايا متحركة قابلة للتغيير.. بعكس الاختلافات حول القيم والمبادئ (دينية كانت أو إنسانية) فهى من الثوابت التى لا تقبل أى شكل من اشكال المساومة أو المراجعة.والسؤال الآن: هل يمكن التجسير بعد مرحلة نجاد؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved