مصلحة الوطن قبل الصراع على الحكم
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 16 أكتوبر 2012 - 8:25 ص
بتوقيت القاهرة
فى غمار الأزمات المتلاحقة والمتصاعدة خلال الأسبوعين الماضيين، انشغلنا بالتفاصيل وتركنا جوهر الموضوع، وهو أن مصر اليوم تمر بحالة من الانقسام والتفرق تدفعها إلى حافة الهاوية التى لن يصلح عندها لا تفاوض ولا تفاهم، بل تداعى لما تبقى من مؤسسات الدولة. الصراع الحالى ليس على منصب النائب العام ولا على من يتظاهر فى ميدان التحرير ولا من يكون محافظا أو وزيرا ولا على دولة القانون والعدالة، بل هو صراع على السلطة والحكم، وفى غماره فإننا نضحى بمستقبل هذا البلد وأمله فى الخروج من الوضع الحالى المضطرب موحدا ومستعدا لمواجهة تحديات العصر.
كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ لأنه منذ اللحظة الأولى، منذ انفضاض المتظاهرين عن ميدان التحرير فى فبراير من العام الماضى، بدأ الصراع على السلطة والحكم ولم يتوقف، بل طغى على كل شىء آخر. الاستفتاء على الإطار القانونى للمرحلة الانتقالية تحول إلى صراع مدنى/دينى بلا مبرر، والانتخابات البرلمانية أهدرت كل قواعد التنافس الشريف بين من كانوا شركاء ورفاقا فى الميدان، والحكم الانتقالى أضاع على البلد الفرصة وراء التالية للتحول من الهدم إلى البناء ومن النظر للماضى إلى التطلع لمستقبل جديد، وانتخابات الرئاسة أوشكت أن تتحول إلى حرب أهلية.
ليس غريبا أن يكون هناك تنافس على الحكم وعلى السلطة وعلى مقاعد البرلمان والمناصب الوزارية، فهذه هى طبيعة التحول الديمقراطى. ولكن خلال هذا التحول فقدنا جميعا القدرة على التمييز بين ما يصلح أن يكون محلا للتنافس والصراع وبين ما يجب أن يكون محل اتفاق بل وإجماع لأن فيه مصلحة أكيدة للوطن وللمواطنين. الأحزاب والقوى السياسية تتنافس وتتصارع على الأفكار والبرامج والمناصب وعلى أصوات الناخبين، ولكنها حينما يصيب البلد زلزال أو وباء أو حينما يتعرض لعدوان خارجى، يصبح عليهم أن ينحوا خلافاتهم جانبا ويقفوا صفا واحدا لمواجهة هذا الخطر الداهم. ونحن اليوم فى هذا الموقف بالضبط، والخطر الداهم هو انهيار مؤسسات وأركان الدولة المصرية. ولذلك فإننا اليوم، أكثر من أى وقت مضى، بحاجة الى ايجاد مساحة من التفاهم والاتفاق بين القوى السياسية والاجتماعية على عدد من القضايا الكبرى التى لم يعد من الممكن تأجيلها او تركها فى مهب ريح الخلاف الفكرى والصراع السياسى.
نحن بحاجة للاتفاق على ما تبقى من خطوات التحول السياسى، بما يضمن استمرار ونمو التجربة الديمقراطية الوليدة، واستمرار تمتع الناس بحق اختيار من يحكمهم من خلال صناديق الاقتراع، ولكن فى اطار سليم يمنع تزوير الإرادة ويحمى الاختيار الحر من سطوة المال ومن تأثير الاعلام ومن الفتنة الدينية. وعلى رأس هذا التحول السياسى تأتى الحاجة لكتابة دستور جديد لمصر من خلال تمثيل متكافئ ومتوازن للمجتمع وبواسطة جمعية تأسيسية لا يسيطر عليها تيار واحد ولو كان تيار الأغلبية، وتعبر عن أفضل ما فى هذا البلد وليس عن القاسم الأدنى المشترك. المسار السياسى والدستورى بدأ منحرفا وسيستمر على علاته ما لم نجد فى أنفسنا الشجاعة للاعتراف بأن الرجوع عن الخطأ فضيلة كبرى ونعمل معا على الوصول لدستور توافقى، يعيد بناء مصر دولة مدنية عادلة وحديثة.
ونحن بحاجة أيضا للاتفاق على عدد من السياسات الاقتصادية العاجلة التى لا ينبغى أن تكون محل خلاف بين الاحزاب والقوى السياسية لأن استمرار الوضع الحالى من المستحيل وتصحيح الخلل الهيكلى فى الاقتصاد لا يمكن أن تنجح فيه الحكومة ولا الحزب الحاكم ولا الرئيس المنتخب دون دعم ومساندة المجتمع بأكمله. لن تقدر حكومة بمفردها على ترشيد دعم الطاقة لكى يصل الى من يستحقونه، ولا إعادة توزيع بنود الإنفاق العام بما يرفع من كفاءة التعليم والصحة، ولا تحرير القيود القائمة على الصناعات الصغيرة بما يحد من البطالة ويزيد من الدخل القومى، ولا وضع ضوابط وشروط متفق عليها للاقتراض من الخارج، ولا تحرير الجهاز الادارى للدولة من القيود ومن حالة الرعب التى إصابته بالشلل التام.
ولن يستطيع حزب حاكم بمفرده أن يصحح منظومة الأجور والعمل والعاملين بما يحقق استقرارا اجتماعيا. وليس بمقدور رئيس الجمهورية وحده، ولو ملأ قصر الرئاسة عن آخره بالمستشارين والنواب والمساعدين ولو بعد مائة يوم ثانية وثالثة، أن يخرج بهذا البلد من أزماته المتلاحقة إلا إذا أدرك أنه بحاجة لدعم ومساندة كل المصريين وكل الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية، وليس فقط مساندة حزبه وجماعته.
وما ينطبق على الدستور والاقتصاد ينطبق أيضا على كل القضايا الكبرى التى تواجهنا اليوم، حماية دولة القانون، وضمان المساواة بين المواطنين، وحماية وضع المرأة فى المجتمع، وإطلاق طاقات الإبداع لدى الناس، وحتى حل مشاكل المرور وجمع القمامة وتوفير السولار.
لن ينجح هذا البلد فى التقدم والخروج من أزماته المتتالية ولا المجتمع فى التطور والتقدم للأمام ما لم نجد المساحة المشتركة التى يتوقف عندها الخلاف وينتهى عندها التحزب ويصبح التوافق ممكنا والإجماع حقيقيا. هذه دعوة لكل القوى السياسية أن تدرك أن علينا واجب فى التعاون من أجل إيجاد هذه المساحة قبل فوات الأوان. وإن كانت هذه مسئولية الجميع بلا استثناء، فإن المبادرة يجب أن تأتى من حزب الأغلبية ومن القوى السياسية الأكثر تحكما ومن رئيس الجمهورية، لأن هذه مسئولية من بيده الأدوات ومن يملك أن يأخذ المبادرة. فهل من أمل فى العودة عن طريق الانقسام المتصاعد بشكل مخيف، أم نضيع فرصة قد تكون الأخيرة؟