مزاج الأوسكار
تامر شيخون
آخر تحديث:
الأحد 16 أكتوبر 2022 - 1:55 م
بتوقيت القاهرة
بعد وصولنا مونديال 1990 في روما لأول مرة منذ 56 عاماً، انتعشت أمال جماهير الكرة المصرية في ترسيخ عادة كروية جديدة بالوصول إلى نهائيات كأس العالم كل مرة, لكن سرعان ما حطمت طوبة شاردة ألقاها مشجع غاضب في مباراة زيمبابوي الحلم. إذ قرر الكاف إعادة المباراة على أرض محايدة "ليون الفرنسية!" وتعادلنا ثم خرجنا. ثم تلانا الفريق الزيمبابوي بعد خسارته المباراة الفاصلة على يد المنتخب الكاميروني الذي وصل إلى مونديال 1994!
عاشت الجماهير بعدها حلم العودة إلى المونديال عقوداً إلى أن تحقق الحلم بعد 28 عاماً في مونديال روسيا 2018.لكن للأسف، خسرنا مبارياتنا الثلاثة بالمجموعة لينتهى الحلم إلى كابوس "حصالة المجموعة".
خلق الغضب الجماهيري رأيا, راجَ ساعتها. مفاده، يا ليتنا ما حققنا الحلم وجَنَّبْنَا أنفسنا عار الفضيحة!
فهل جَنَّبَتنا لجنة نقابة المهن السينمائية التي ضمت أسماءً كبيرة من أمثلة الناقد مجدي الطيب أو طارق الشناوي "عار" خسارة الأوسكار؟
قولا واحداً لآ.
أولا لأننا لم نفز يوماً بالجائزة. بل أننا لم نصل إلى القائمة القصيرة أو حتى الطويلة. ثانيا، هناك فائز واحد فقط بالجائزة من بين أكثر من خمسين فيلماً، ترسلها الدول المنتجة سنويا للمنافسة.. أو بمعنى أدق، لا خاسر في الفن والسينما. هي وجهة نظر و ذائقة. لا مجال للفضائح في هذا السياق. لكن هل كان لدينا مجالا لترك بصمة؟؟
كل ما سبق، لا ينفي حق اللجنة الكامل في أخذ قرارها بالآلية الديموقراطية التي اختارتها منذ البداية "التصويت بعد المداولة" كما صَرَّحَ عضوها، طارق الشناوي حتى لو اختلف رأيه الشخصي عن رأي اللجنة النهائي الصادر بعد تصويت 19 عضواً.
كما يحق للجميع الإتفاق أو الاختلاف مع منطق القرار دون تشكيك أو اتهام.
لذا, نسأل بموضوعية، هل كانت لنا حظوظ مُعْتَبَرَة في الفوز بالجائزة أو حتى في المنافسة على شرفها؟
في اعتقادي الشخصي لا.
على سبيل المثال، الفيلم الوحيد الذي شاهدته من الأفلام المصرية المُرَشَّحَة "محليا" لتمثيل مصر هو "كيرة والجن". فيلم جيد. بل أحد أبرز أفلام العام وأكثرها تحقيقا للإيرادات من خلال تيمة مبتكرة جديدة نسبيا على السينما المصرية. شلة الأبطال الشعبيين في حقبة تاريخية ضد الأشرار أو المُسْتَعْمِرين. كأننا نشاهد نسخة مصرية ملحمية من العظماء السبعة, لكنها مأخوذة عن رواية مصرية من أكثر الروايات مبيعاً "1919 لأحمد مراد" المستوحاه من سيرة الأبطال الوطنيين التاريخيين "أحمد كيرة" و"عبد القادر شحاتة". أضف إلى الوصفة ثنائي بطولة بنجومية و ثِقَل كريم عبد العزيز و أحمد عز لتحصل على معادلة نجاح متكاملة تجاريا بمفاهيم السوق, تلبي احتياجات المتفرج المصري و تنال تقدير نقدي محترم في نفس الوقت.
لكن هل ستراها لجان الأوسكار أو حتى المهرجانات العالمية بنفس الأعين؟
ما قد نحسبه إحياءً للوطنية، ربما يراه الآخرون بروباجندا محلية. ما نراه إبهاراً يحاكي تقنيات هوليوود البصرية، قد يحتسبه أهل هوليوود محاولة تقليد "معقولة" لصناعتهم.
لكي نفهم مزاج الأوسكار فيما يخص جائزة أفضل فيلم عالمي تحديدا، دعنا نلقي نظرة سريعة على الأفلام "الأجنبية" الفائزة بالأوسكار آخر عامين.
عام 2021 الفيلم الياباني "قُد سيارتي". عن قصة قصيرة لهاروكي موراكامي. تحكي عن ممثل مسرحي يحاول التأقلم مع وضعه الجديد بعد الإنتقال إلى مدينة هيروشيما للعمل على تقديم مسرحية. يعاني جراح فقدان زوجته التي اكتشف خيانتها قبيل وفاتها. تعين شركة الإنتاج سائقة شابة لقيادة سيارته فتزدهر بينهما علاقة فريدة نتأملها من خلال رحلة إنسانية عذبة.
عام 2020 الفيلم الدنماركي"مرة أخرى". عن مدرس تاريخ في منتصف العمر فقد شغفه في الحياة، لكنه يحاول استرداده عبر تجربة "علمية" يخوضها مع مجموعة من الأصدقاء وزملاء العمل لاستعادة البهجة، يختبرون من خلالها أثر شرب كميات محددة من الخمر في أثناء التدريس.
على الجانب الآخر, لو تأملنا آخر فيلم عربي وصل القائمة القصيرة "كفر نحوم" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي عام 2018، سنجده عن الطفل زين المولود في حي عشوائي بضواحي بيروت. يرفع قضية على والديه لإنجابهم له ثم إهماله والتجاوز في حقوقه الآدمية مما دفعه إلى مصير بائس في الحياة بسبب أنانيتهم.
موضوعات تتسم جميعها بالإنسانية والبساطة. لا تتبع بالضرورة سَمت الأفلام التجارية النمطي بإيقاعها السريع وحبكاتها الملتوية وإبهارها البصري وعنفها الزائد. لكنها حتما تهتم بجودة وجمال الصورة السينمائية ونضج الرؤية ونقاء الصوت.
هم يبحثون عن أفلام مختلفة متفردة بمستوى فني وتقني ممتاز تعكس ثقافة بلادها أو ثقافة العالم خارج بلاد العم سام.
هم يبحثون عن قضايا إنسانية عالمية مثل الفقر والعنف الأسري والاضطهاد وطبعا كافة أجندات الصوابية السياسية.
أما عن حقيقة مشاكلنا التقنية التي ساهمت في اقصاء أفلامنا مبكرا من المنافسة، فلم تكن متعلقة أبداً بساعة صلاح الدين "المُتَوَهَمة" أو قلة الإبهار. إنما بجودة الشريط السينمائي و شريط الصوت وأحيانا بسبب تأخرنا في إرسال أفلامنا في الوقت المحدد!
يبقى أن جوائز المهرجانات الدولية العالمية الكبرى وعلى رأسها "كان" هي المونديال "الفني" الحقيقي للسينما العالمية المتحررة من سطوة هوليوود التجارية.
للأسف, نحن أيضا في خصام طويل مع منصات التتويج هناك فيما عدا تجارب قليلة استثنائية مثل "يوم الدين" و"ريش".
هذا هو لُب القضية. لماذا تعجز السينما المصرية بسنواتها المائة وإرثها الضخم المتراكم وجمهورها المتخطي 100 مليون نَسَمَة عن تقديم سيل من الأفلام المميزة سنويا في ساحات المهرجانات العالمية؟
سؤال يستدعي التدبر من كل محب للسينما المصرية.