أسابيع صعبة وخطيرة تنتظر لبنان.. والشرق الأوسط!
مواقع عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
مع الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر 2023، ومع امتداد جبهة المواجهة مع إسرائيل من فلسطين إلى لبنان ومع خطر توسعها واشتدادها، ما هى الأجواء السياسية والدبلوماسية الفرنسية خصوصًا وأنّ باريس رافقت وترافق عن قرب تفاعلات تراكم هذه الأزمات؟
«شعورٌ ممزوجٌ بالمرارة والخيبة لما آلت إليه الأمور فى غزة أولاً وفى لبنان ثانيا يرافقه قلق شديد لتداعيات الأحداث المتسارعة وخطورة اتساعها إقليميًا»، هذا مختصر حال المعنيين من سياسيين ودبلوماسيين فرنسيين يُجمِعون على وصف الوضع الحالى فى لبنان والمنطقة بـ«المأساوى» و«الكارثى».
وفى مراجعة سريعة للتطورات التى استجدت على مدار العام المنصرم منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، تعتبر هذه المراجع الفرنسية أنّ الصراع «بات خارجًا عن السيطرة ومرشحٌ للتدهور حيث أصبح كل فريق أسير مشاعره وأهوائه وبات المنطق الإيديولوجى المتشدد يتقدم على حساب العقل والاتزان، وبات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يتصرف وكأنّ لا حسيب ولا رقيب على تصرفاته».
• • •
تعترف هذه المراجع الفرنسية المتابعة أنّ المساعى الدبلوماسية الغربية قابلها عجز وسلسلة إخفاقات، وتعزو فشل فرنسا ومعها أوروبا ودول الغرب عمومًا إلى أسباب عدة أبرزها أنّ التواصل والتشاور كان قائمًا بين باريس من جهة وبقية العواصم الأوروبية والغربية وفى مقدمها واشنطن من جهة ثانية، إلا أنّ التنسيق والتعاون بين الدول الغربية لم يَرْقَ إلى حد إطلاق تحرك موحد فاعل وضاغط.
على العكس من ذلك، تحركت العواصم الغربية المعنية بشكل أحادى وذهبت كل عاصمة، ولا سيما باريس ولندن وواشنطن بأوراق وأفكار وخطط خاصة وعبر عدة موفدين (آموس هوكشتاين، جان ايف لودريان، وزراء الخارجية المتعاقبين…)، أى لا وفد موحدًا ولا طرح موحدًا. إضافة إلى غياب وسائل الضغط والتهديد الجدية كرفع وإشهار سلاح العقوبات بوجه المعرقلين.
• • •
يقول دبلوماسى عربى مخضرم خدم بشكل استثنائى على فترتين متباعدتين فى باريس: «لا أفهم بعض المواقف اللبنانية حيال فرنسا والتى تعتبرها إما غائبة أو مُقصرة أو غير قادرة على مساعدة لبنان، بينما لمست خلال خدمتى الطويلة فى باريس أنّ فرنسا هى البلد الوحيد الذى لا يترك مناسبة إلا ويُظهر تعاطفًا مع لبنان ويبدى كل التضامن معه؛ فى وقت يسود الصمت حيال أزمات أخرى مثل أزمة السودان وغيره».
تحركُ فرنسا حيال لبنان، حسب هذه المراجع، نابعٌ ليس فقط من تاريخ علاقات الصداقة القديمة والتقليدية المميزة بل أيضًا من مصالحها الحيوية المتعددة من تأمين حماية رعاياها الذين يتعدى عدد أفرادهم العشرين ألفًا؛ صيانة قواتها المشاركة فى إطار «اليونيفيل» فى جنوب لبنان؛ خطر تحول الوضع فى لبنان إلى «وضع مشابه لما هو الحال عليه فى سوريا من عدم استقرار وتفلّت وفوضى وبؤرة صالحة لانتشار الإرهاب ونقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية فى اتجاه دول أوروبا»؛ من هنا الحرص على عدم توسع النزاع إلى حرب إقليمية خوفا من تداعياتها على أسعار الغاز والنفط والتهديد الإرهابى ومسألة الهجرة.
صحيحٌ أنّه لم يُكتب النجاح لمحاولات الرئيس إيمانويل ماكرون الهادفة إلى إخراج لبنان من أزماته المتلاحقة، بدءًا من تفجير مرفأ بيروت مرورًا بالأزمة المالية والنقدية وعملية الإصلاحات والفراغ الرئاسى وصولاً إلى الخلاف الحدودى اللبنانى ــ الإسرائيلى المرافق لمشكلة تنفيذ مندرجات القرار الدولى 1701، إلا أنّه يُسجل للرئيس الفرنسى، حسب هذه المراجع، إبقاء الاهتمام حاضرًا بالموضوع اللبنانى وتفعيل التواصل إقليميًّا (لا سيما مع السعودية) ودوليًّا (مع الولايات المتحدة) بهدف التعاون والتنسيق للتوصل إلى مخارج مشتركة توقف الانحدار والتدهور وتفتح آفاقًا للحلول المتعددة. وتصب المبادرة الأخيرة التى أطلقها ماكرون فى خانة الدعوة الفرنسية إلى عقد مؤتمر دولى فى باريس فى 24 أكتوبر الحالى سيكون مخصصًا من أجل «دعم شعب لبنان وسيادته». فماذا عن هذه المبادرة الرئاسية الفرنسية وماذا سيتضمن مؤتمر باريس؟
أولاً؛ شق إنسانى إغاثى من خلال تعبئة المجتمع الدولى بغية الاستجابة لاحتياجات الإغاثة الطارئة للشعب اللبنانى فى ظل تفاقم أزمة النازحين الاجتماعية والحياتية.
ثانيًا؛ شق أمنى عسكرى لدرس سبل دعم المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية (وخصوصًا الجيش اللبنانى) الضامنة للاستقرار الداخلى وتجهيزها عددًا وعدة من أجل تمكينها من تنفيذ مهماتها فى بسط سلطة الدولة وضمان أمن الحدود.
ثالثًا؛ شق سياسى داخلى مؤسساتى لبنانى عبر تشجيع القيادات اللبنانية وحثها على تحمل مسئولياتها لوضع لبنان على المسار الصحيح من خلال ملء الفراغ الرئاسى وصيانة وحدة البلد وعودة عجلة انتظام عمل المؤسسات الدستورية إلى شكلها الطبيعى مع حكومة جديدة تشرف على إطلاق ورشة الإصلاحات المطلوبة.
رابعًا؛ شق ديبلوماسى خارجى من خلال التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق النار تتضمن آلية محددة لتنفيذ مندرجات القرار 1701 «بشكل كامل وكلّى» عبر تمكين الجيش اللبنانى من الانتشار «بشكل سريع ومكثف» حتى الحدود الجنوبية.
لكن هناك تساؤلات ترافق هذه الدعوة الرئاسية الفرنسية وتُشكك مسبقًا فى نتائجها يمكن إدراجها على الشكل الآتى:
أولها، توقيت انعقاد مؤتمر باريس. فحتى الآن لا اتفاق على وقف إطلاق النار، بل على العكس، ثمة تخوفات جدية من استمرار العمليات العسكرية وتصاعد وتيرة المواجهة الحربية.
ثانيها، ينعقد المؤتمر قبل أقل من أسبوعين على موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وانتظار جميع الفرقاء نتائجها لكى يبنى على الشىء مقتضاه. ثالثها، غياب دولتين معنيتين وفاعلتين عن المشاركة فى المؤتمر، وهما إيران وإسرائيل، نظرًا إلى أنّ الدعوة لم تُوجه لهما للحضور. كما أنّ مشاركة الآخرين ستكون على مستوى وزراء الخارجية ولم يعرف بعد من هى الجهات التى ستتجاوب مع هذه الدعوة.
رابعها، فى ظل المعطيات الحالية قد تبقى المقررات السياسية بمثابة إعلان نوايا وتمنيات بعيدة عن الترجمة العملية، كما أنّ الالتزامات المالية قد تكون محدودة ومقتصرة على الجانب الإغاثى الإنسانى فى انتظار بلورة التسوية والاتفاق على آلية تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة ومعرفة دور الجيش اللبنانى المستقبلى وبالتالى تحديد نوعية وحجم المساعدات لتلبية حاجاته ومتطلبات مهماته.
• • •
على صعيد آخر، لوحظ فى الآونة الأخيرة ارتفاع نبرة التخاطب بين كبار المسئولين الفرنسيين والإسرائيليين وتدرج الخطوات فى التعامل السياسى والدبلوماسى؛ من التنديد الفرنسى بـ«الاستفزاز» الصادر عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بعد تهديده بتحويل لبنان إلى «غزة ثانية»، إلى تحذير نتنياهو من جرّ لبنان إلى حال الفوضى وصولاً إلى استدعاء السفير الإسرائيلى فى باريس والإعراب له عن تنديد الحكومة الفرنسية واحتجاجها الشديد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القوات الدولية العاملة فى جنوب لبنان (اليونيفيل) واعتبارها «تعديا خطيرًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولى». تبعت ذلك الدعوة إلى عدم تزويد إسرائيل بأسلحة هجومية جديدة فى وقت لا تتجاوب حكومتها مع الدعوات المتكررة إلى وقف إطلاق النار والتعامل الجدى مع مقترحات الحلول الدبلوماسية لتسوية الأوضاع والحؤول دون تدهورها واتساع رقعة المواجهة وأخطارها.
وبالرغم من انتقاد إسرائيل لهذه الدعوة الفرنسية وتهجّم نتنياهو على ماكرون، معتبرًا هذا الموقف «خطأ وعارًا»، جدّد الرئيس الفرنسى مطالبته بوقف تصدير الأسلحة المستخدمة فى غزة ولبنان واعتبار هذه الخطوة «الرافعة الوحيدة لإنهاء النزاعات». لكن مواقف فرنسا المتقدمة، التى تحظى بدعم إيطاليا وإسبانيا، لا تلاقيها ألمانيا شريكتها فى الاتحاد الأوروبى والتى تتفرد بدعمها المطلق لإسرائيل. أما لجهة العلاقات مع إيران، لا تخفى الأوساط استمرار التواصل معها، كما أنّ الاتصال لم ينقطع مع «الجناح السياسى فى حزب الله».
• • •
كيف تنظر هذه المراجع إلى مستقبل الوضع لبنانيًا وإقليميًا؟ لا تخفى الأوساط المتابعة قلقها الشديد لمسار الأمور خصوصًا على الصعيد الأمنى والميدانى العسكرى فى الفترة القريبة المقبلة.
وهى ترى أنّ شهرًا طويلاً بالغ الصعوبة والخطورة «ينتظر لبنان والمنطقة مع ارتفاع حدة الصراع وقد نشهد أوضاعًا متفلتة وخارجة عن القواعد والضوابط، والسبب الرئيسى غياب القوة الأساسية التى لديها القدرة والوسائل لضبط الأمور، وهى الولايات المتحدة المنهمكة بانتخاباتها الرئاسية»، لا بل إنّ بعض هذه الأوساط تذهب أبعد من ذلك وتتوقع أنّ يمتد هذا الغياب إلى شهرين، أى إلى ما بعد تسلّم الرئيس الجديد أو الرئيسة الجديدة المهام فى البيت الأبيض، أى فى الشهر الأول من السنة المقبلة.
بشارة غانم البون
موقع 180
النص الأصلى:
https://shorturl.at/wvSUO