الدخول الآمن يؤدى إلى الخروج الآمن
أمل حمادة
آخر تحديث:
الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 10:14 ص
بتوقيت القاهرة
تابعت بكثير من الاهتمام قلق الأستاذ عماد الدين أديب حول رئيس مصر القادم، هذا الأمر الذى ظهر بشكل كبير متزامنا مع انعقاد المؤتمر السادس للحزب الوطنى الديمقراطى وما أثير حوله من احتمال أن يعلن الرئيس مبارك عن عزمه عدم الترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة انعقادها فى 2011. وبغض النظر عن شرعية هذا القلق أو توقيته، ونية الرئيس مبارك فى الترشح من عدمه فهناك عدد من الملاحظات حول الحوار الذى عبر فيه الأستاذ عماد الدين أديب عن آرائه:
اختار الأستاذ عماد شبكة الأوربت الخاصة ليشارك من خلالها جماعة المصريين قلقه حول مستقبل مصر فى ظل عدم وضوح الرؤية وتخبط آليات الاختيار. وقد علمنى أساتذة علوم الاتصال أن اختيار الوسيلة الاتصالية هو جزء من الرسالة والأهم من ذلك أنه وثيق الصلة بالجمهور المستهدف. جمهور الأستاذ عماد الدين أديب فى هذه الحالة لم يكن جموع المصريين الذين يعتمدون على التليفزيون كأحد أهم وسائل المعرفة إن لم يكن أهمها على الإطلاق، بل كان هذه الفئة صاحبة الاشتراكات الخاصة فى الشبكة الإعلامية. الجمهور المستهدف كان صاحب سمات خاصة اقتصادية واجتماعية، لا تجعله بالضرورة فى المواجهة أو بالتناقض مع باقى المصريين، ولكن تميزه بأجندة ودائرة اهتمامات تجعل استيعابه وفى مرحلة لاحقة استبطانه للأفكار التى ساقها الأستاذ عماد الدين أديب مسألة غاية فى الأهمية ومقدمة لتسويقها، أى الأفكار، لدى باقى فئات المجتمع المصرى.
وهنا نأتى للأفكار التى دار حولها قلق المتحدث والتى يمكن إجمالها فى كيفية التوصل لآلية تضمن الانتقال السلمى للسلطة فى حال عزوف الرئيس مبارك عن الترشح، والأهم ضمان حماية للرئيس حال خروجه من المنصب بغض النظر عن شخص الرئيس القادم، وهو ما لخصه الاستاذ عماد الدين أديب فى مفهوم «الخروج الآمن». بمقتضى هذا المفهوم يتم تشريع ضمانة قانونية تحمى الرئيس بعد خروجه من الرئاسة من التعقب حول مسئوليته عن القرارات والسياسات التى اتخذها فى أثناء فترة الحكم، وفق هذا المفهوم أيضا يتحول الرئيس السابق إلى زعيم الأمة وهو الأمر الذى يضمن له مميزات معنوية لا تقل أهمية عن الميزات القانونية. فالتشريعات المصرية تفتقر لمثل هذه الآلية، وقد يفسر هذا الغياب بعدم وجود سابقة فى التاريخ المصرى الحديث لرئيس غادر المنصب ليصبح رئيسا سابقا، والنص الوحيد لمحاسبة رئيس الجمهورية هو فى حال اتهامه بالخيانة العظمى مع ما يرتبط بهذه التهمة من تعقيدات وملابسات. وساق الأستاذ عماد الدين أديب تجربة الرئيس بوش الابن فى الحكم وعدد الأخطاء القاتلة التى ارتكبها بوش فى حق الولايات المتحدة الأمريكية من إغراق البلاد فى حربين مازالتا تستنزفان الموارد والطاقات الأمريكية، إلى الأزمة المالية التى بدأت أمريكية وتحولت بسبب العولمة إلى أزمة مالية عالمية وما بينهما من أزمات داخلية تتعلق بتقييد الحريات المدنية للمواطنين وغيرها. وأكد أنه على الرغم من كل هذه الأخطاء إلا أن الرئيس بوش بعد خروجه يتمتع بهذا «الخروج الآمن».
المشكلة هنا أنه نسى أو تناسى أن الرئيس بوش خلال سنوات حكمه الثمانى، وأى رئيس أمريكى سابق أو قادم، لم يستطع أن يقرر أمرا بإرادته المنفردة. فالدستور الأمريكى وإن أعطى الرئيس منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أنه ألزمه بالحصول على موافقة الكونجرس من أجل إرسال القوات أو تخصيص ميزانيات من أجل الاستمرار فى الحرب. ومنصب الرئيس الأمريكى وإن كفل له حق اختيار مساعديه وخضوعهم له بشكل مباشر إلا أنه مكن أعضاء الكونجرس من ممارسة رقابة فعلية على أداء الرئيس ومساعديه يصل إلى حد المطالبة بعزل الرئيس حال ثبوت ارتكابه جريمة الحنث بالقسم (كما كان الحال فى أزمة الرئيس كلينتون والمتدربة لوينسكى). من الصحيح أن الرئيس الأمريكى يعد أقوى رئيس سلطة تنفيذية من حيث السلطات الممنوحة له بحكم الدستور والقانون والممارسات، إلا أنه يجب التأكيد على أن وصوله للمنصب واستمراره فيه ورحيله عنه بعد مدتين رئاسيتين فقط يرتبط بعدد من الضمانات القانونية والمجتمعية التى تجعل انفراده بالقرار السياسى أمرا مستبعدا إن لم يكن مستحيلا؛ فعليه دائما أن يضمن مساندة أغلبية الكونجرس وأن يراقب استطلاعات الرأى التى تقيس بشكل مستمر شعبية إدارته وحزبه وفى النهاية عليه أن يجاهد فى داخل حزبه من أجل الحصول على دعمه كمرشح له قبل أن يقضى ما يقرب من العام محاولا إقناع جماهير الناخبين فى أنحاء الولايات المتحدة للتصويت له.
كيف لنا أن ننقل هذه التجربة التى لا نملك تشابها معها سوى فى أن كلا من مصر والولايات المتحدة الأمريكية دولتان جمهوريتان؟ فلا الانتخابات الرئاسية، حتى بشكلها المعدل، تجرى بنفس الزخم والتنافسية، ولا الدستور المصرى يتضمن مؤسسات قضائية أو تشريعية تتمكن من موازنة صلاحيات رئيس الجمهورية غير المحدودة، وفى بعض الأقوال غير المحددة، ولا اختيار الرئيس لرئيس الوزراء واختيار الأخير لوزرائه يعكس نتائج حقيقية لانتخابات تنافسية وشفافة، ولا أداء الرئيس ووزارئه يخضعان لنفس الرقابة من الجهاز التشريعى الذى اقتصر دوره خلال السنوات الكثيرة الماضية على تمرير الكثير من القوانين واللوائح التى سرعان ما يكتشف مخالفتها للدستور بحيث يتم إلغاؤها. باختصار شديد كيف يمكننا الحديث عن ضرورة ضمان الخروج الآمن دون أن نحاول إصلاح وتقويم الدخول إلى رأس النظام السياسى المصرى؟ فكما يقولون فى علم المنطق أن المقدمات الفاسدة تؤدى إلى النتائج الفاسدة وبعبارة أخرى فإن الدخول الآمن سيؤدى حتما إلى الخروج الآمن وليس العكس.