(ثورة أعقبها انقلاب عسكرى)؟
سمير كرم
آخر تحديث:
الأربعاء 16 نوفمبر 2011 - 10:10 ص
بتوقيت القاهرة
نستطيع أن نصف أنفسنا ــ نحن المصريين ــ دون خشية الوقوع فى خطأ او مبالغة، بأننا انتقائيون فى رصدنا ومتابعتنا ردود الفعل إزاء التطورات التى تحدث فى بلادنا. وربما نكون فى هذه الصفة مشابهين لكثيرين من شعوب العالم.
فمنذ بداية ثورة 25 يناير وحتى الآن ونحن نفضل ان نرى ردود الفعل الايجابية ازاءها ونرددها كثيرا، وغالبا ما نتخطى او نهمل ردود الفعل التى تبدو لنا سلبية بصورة او باخرى بدرجة او باخرى. ولقد حفلت اجهزتنا الاعلامية وكتاباتنا الصحفية بكل التعليقات التى تحدثت عن عبقرية ثورتنا ووعى شبابنا وقدرته الثورية وسلمية هذه الثورة. انما لا يبدو اننا نتابع بالقدر نفسه ما يتعرض له هذا كله من انتقادات من المصادر الخارجية حتى ما هو منها بدرجة رئيس او وزير او مفكر على درجة كبيرة من الاهمية.
●●●
وعلى سبيل المثال فإن رد الفعل الامريكى ازاء ثورة 25 يناير فى بداياتها الاولى لم يحظ منا باهتمام. فى اليوم التالى لهذا التاريخ قال الرئيس الامريكى اوباما ان ما يحدث فى مصر لا يدعو إلى سحب التأييد الامريكى للنظام الحاكم او الرئيس (آنذاك) حسنى مبارك. وقالت وزيرة الخارجية الامريكية فى اعقابه ان نظام الرئيس مبارك يتمتع بالاستقرار ويتمتع لهذا بثقة الادارة الامريكية ولا ترى هذه الادارة ضرورة لتغيير موقفها. وقد ساهمت الاحداث وتطورات الايام التالية، بالاضافة إلى انتقائيتنا، فى ازاحة هذه التصريحات السلبية جانبا لتحل محلها تصريحات الرئيس اوباما والوزيرة هيلارى كلينتون عن ضرورة تنحى الرئيس المصرى فى مواجهة الثورة إقرارا بضرورة تحقيق الاستقرار، وسريعا ما تحول طلب الادارة الامريكية إلى ضرورة تنحى مبارك الان وفورا استجابة للارادة الشعبية كما تتمثل فى مظاهرات كل ميادين التحرير فى مصر. وسريعا ايضا ما اتضح ان الجماهير المصرية فى الميادين وخارجها ترحب بهذه التصريحات المبنية على الامر الواقع والتى تعكس استعداد الادارة الامريكية لاتخاذ موقف ايجابى من الثورة ومن دور القوات المسلحة المصرية بعد ثلاثين عاما من التأييد غير المشروط من جانب الادارات الامريكية المتعاقبة (خمس ادارات لا اقل) لنظام الرئيس (المخلوع).
والان والموقف الامريكى من تطورات مصر ينطوى على بعض الانتقادات ويقدم بعض النصائح فان انتقائيتنا تجعلنا نرى ونسمع من الادارة الأمريكية ما يرضى شعور المصريين بانهم على صواب وبانهم ليسوا بحاجة إلى نصائح من احد.
وبطبيعة الحال فان انتقائيتنا فعلت فعلها فيما كان ردود الفعل الاسرائيلية التى بدت لفترة غير قصيرة سلبية تجاه الثورة إلى ان اعلن المجلس الاعلى للقوات المسلحة ــ بعد تنحى مبارك ــ فى بيان رسمى أول له التزامه بالمعاهدات والالتزامات الدولية التى وقعت عليها مصر بلا استثناء. وفهمت اسرائيل على الفور ان هذا البيان موجه اليها وانه يعنى اول ما يعنى معاهدة واتفاقات «كامب ديفيد». من وقتها اصبحت اسرائيل اكثر حرصا على ان تكون بياناتها وتصريحات مسئوليها فى اتجاه ايجابى تجاه الثورة وتجاه المجلس الاعلى للقوات المسلحة.
●●●
لكن وسط التطورات المتلاحقة وردود الفعل الخارجية التى تلاحقها ادت انتقائيتنا إلى تجاهل عدد من ردود الافعال التى بدت لنا اقل ايجابية مما نحب...حتى لا نقول انها بدت سلبية وبالتالى لا تستحق الذكر.
كان من بين ردود الفعل تلك ما تردد على لسان الرئيس الفنزويلى الثورى اليسارى هوجو شافيز الذى يستطيع المتابع لردود افعاله ان يؤكد انه يتابع بجدية واهتمام ــ ودون مصلحة خاصة او فنزويلية ــ مجريات ثورات الربيع العربى وبالاخص منها الثورة المصرية ادراكا منه لدور مصر المؤثّر فى محيطها ومنطقتها الاقليمية واكثر بما فى ذلك امريكا اللاتينية التى تنتمى اليها فنزويلا. وللحقيقة والتاريخ فان الرئيس شافيز اتخذ موقفا نقديا صريحا من سياسات الولايات المتحدة التى ايدت نظام مبارك طوال سنى حكمه بصورة تجاوزت اية انتقادات سمعت فى الاوساط المصرية طوال هذا الوقت. واستمرت لهجة شافيز الناقدة فى حدتها مع تطورات الثورة المصرية والثورات العربية الاخرى.
انما كان من اهم ما قاله رئيس فنزويلا عن احداث مصر التى ادت إلى تنحى مبارك وتولى المجلس الاعلى للقوات المسلحة مسئولية الحكم وما اعقب ذلك من تطورات عاندها الاستقرار إلى حد يشعر به كل مصرى تصريح ادلى به اتسم بالاختصار الشديد ولكنه حمل كثيرا من الدلالات ولا يبدو ان من الممكن استخدام الحد الاقصى من انتقائيتنا للالقاء به بعيدا وسط ردود فعل لا تبدو لنا ملائمة.
قال هوجو شافيز ان ما حدث فى مصر وأدى إلى تنحى مبارك وتولى مجلس قيادة الثورة ــ وهى تطورات ايجابية ينبغى أخذها بكل جدية ــ كان من قسمين: وقعت ثورة وهذا امر واضح تماما. وقد انتصرت هذه الثورة ونالت تأييد الشعب المصرى برمته، وبعد ذلك بوقت قصير وقع انقلاب عسكرى. وما تشهده مصر الان هو نتيجة طبيعية للتفاعل بين هذين الحدثين وللتعقيدات التى تمر بها مصر فى الوقت الحاضر.
ثورة اعقبها انقلاب عسكرى. هكذا يفسر رئيس فنزويلا ما يحدث فى مصر. انه بشكل ما وربما لغرض التحليل يرى ان ثورة الشباب التى بدأت فى 25 يناير قد حققت اهدافها الاولية، ولكن القوات المسلحة، التى اراد مبارك ان تحميه بان تنهال باسلحتها على تلك الثورة، اختارت ان تقف مع الثورة وان تحمى القائمين بها ولم يكن ذلك ممكنا دون انقلاب عسكرى نقل السلطة إلى المجلس الاعلى للقوات المسلحة. وقد يرى بعضنا ان هذا التحليل على بساطته يشرح ويوضح بسهولة ودون تعقيد هذا النوع من المواجهة القائم الان بين مسئوليات الثورة ومسئوليات الانقلاب العسكرى. انما قد يرى بعض آخر منا ان هذا التحليل فنزويلى النزعة ولا يدرك حقائق الوضع فى مصر، خاصة وان المعارضة الفنزويلية لنظام شافيز اعتبرت ان ما حدث فى مصر يمكن ان يكون ايذانا بوقوع ثورة فى فنزويلا تطيح بالمثل بنظام شافيز(...) والحقيقة ان شافيز لم يترك هذا التعقيب من المعارضة فى بلاده يمر دون ان يسخر منه ويعتبر انه ايعاز من الولايات المتحدة التى ظلت لنحو ثلاثين عاما تضع كل ثقلها وراء نظام مبارك متحدّية الشعب المصرى ومغفلة ما ناله على ايدى هذا النظام.
يبقى التفسير الذى قال به شافيز فى شرح اسباب التناقضات التى تمر بها مصر الان مغريا بالاستمرار فى رؤية ما جرى على انه ثورة اعقبها انقلاب عسكرى. ولا يبدو ان شافيز اراد ان يكون اكثر تأييدا للثورة منه للانقلاب حسب تحليله للشان المصرى.
●●●
ويتعين علينا اذا راينا الاستمرار مع هذا التحليل ان نتساءل اذا كان من الممكن ان يتحول الوضع إلى صراع بين الثورة والانقلاب العسكرى، او ان الاقرب للمنطق ان يتعاون الاثنان للاتجاه بالبلد نحو وئام بين الدورين. الواقع ان كل الاحتمالات واردة لان عناصر الصراع موجودة وعناصر الوئام موجودة ايضا. وقد تكون هذه حالة فريدة خاصة بمصر تتعلق ــ كما ادركنا حتى قبل ان يظهر تحليل شافيز ــ بالعلاقة الخاصة والفريدة بين الشعب والجيش.
ليست مصر واحدة من بلدان امريكا اللاتينية حيث ادت الجيوش ادوارا قامعة ومسيطرة على الشعوب، قمعت ثورات وناصرت انقلابات ولم تتوحد مواقف الجيش والجماهير فى معظم الحالات. لكن امريكا اللاتينية تعطى درسا للحالة المصرية حين يبدو ان الثورة والانقلاب يتواجهان، ويمكن ان يكون الدرس عكسيا حين يتأكد ان الانقلاب انما وجد لحماية الثورة إلى ان تحقق اهدافها.
فى اى طريق نسير؟