الحصاد المر
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 1:45 ص
بتوقيت القاهرة
ستفزعنا صيحات طيور ظلام الاستبداد فى بلاد العرب وهى تردد على مسامعنا: خاب أملكم فى الحرية التى طالبتم بها وفى الكرامة الإنسانية التى بحثتم عنها وفى المشاركة فى اختيار من يحكمون باسمكم ومراقبتهم ومحاسبتهم التى توهمتم قرب استحالتها واقعا، والأفضل لكم الانسحاب من المجال العام الذى سرتم وتظاهرتم واعتصمتم به، انسحبوا وعودوا إلى انتظار شىء من الأمن أو الكثير منه وتوقعوا شيئا من الخبز أو الكثير منه ودعونا نباعد بينكم وبين مصائر الانهيار أو ننقذكم منها.
على نحو يومى، سنواجه تزييف الوعى بأنصاف حقائق مثل: فشل ربيعكم، ربيعكم لم يكن إلا خريفا للقتل والإرهاب والعنف، أنتم لا تمتلكون «الجهوزية» للديمقراطية التى أقنعكم إما حالم أو متآمر بإمكانية تطبيقها فى بلادنا، انظروا إلى حالكم فى العراق وسوريا واليمن وليبيا بعد الأحداث التى أسميتموها تحولات ديمقراطية أو انتفاضات شعبية، وتمنوا ألا تصبحوا كالبلدان الأربعة، ألم يكن قليل الأمن والخبز أو كثيره أفضل لكم من الدماء والخراب والتهجير والارتحال واعتياد حياة اللجوء والمنافى التى تزجون إليها دون توقف، ألم يكن اعتيادكم السلطان وقمعه وأدوات الحماية التقليدية من مظالمه التى توافرت لبعضكم أرحم لكم من الانفجارات والانهيارات الراهنة؟، تتمردون على الاستبداد، ألم نعش جميعا طويلا معه كواقع وحيد وعرفناه وخبرنا دروبه وأيقنا انتفاء قدرتنا على الخروج منه؟، لماذا تنسون تواريخكم القديمة والمعاصرة؟ إلى آخر هذه الصياغات ذات الوجهة الوحيدة، الاستكانة للاستبداد.
ستشوه ذاكرتنا الجمعية بحيث تصير المسيرات والتظاهرات والاعتصامات السلمية التى واجهت آلات القتل الرسمية زيفا أعمال عنف نفذها متآمرون ومجرمون وخارجون على القانون، بحيث تبرأ عبثا ساحة المستبدين وأعوانهم من مسئوليتهم المؤكدة عن العنف بعد أن ساموا مجتمعاتنا سوء عذاب القمع والظلم والاضطهاد والتعقب والتمييز وفرضوا عليها أيضا إما كوارث الفقر والجهل والتطرف أو تركيز الثروة فى يد القلة الحاكمة ــ المالكة، بحيث ندفع لتناسى أن قليل الخبز الذى لم يتوافر سواه فى أغلبية بلدان العرب قابله عظيم الفساد فى الدواوين الحكومية وفى القطاع الخاص وفى شبكات الريع الواصلة بين الطرفين وأن قليل الأمن الذى لم يتوافر ما يتجاوزه فى أغلبية بلاد العرب قابله تراكم للمظالم حال عدم الامتثال لإرادة المستبدين واضطهاد ممنهج للمجموعات السكانية التى لم يرغب بها رسميا إن بسبب هوية طائفية أو مذهبية أو عرقية.
على ضجيج طيور ظلام الاستبداد والفزع الذى تحدثه صيحاتهم؛ دعونا نتذكر أن الحصاد المر الذى يلصقونه بانتفاضات العرب من أجل الحرية هو فى واقع الأمر حصاد الاستبداد، وأن تزييف الوعى الذى تمارسه طيور الظلام مآله يوما إلى الفناء حين نستفيق مجددا ونستعيد جراءة الأمل فى غد ديمقراطى يأتى بالعدل والحق والتنمية، وأن الرداءة التى تحاصر مجتمعات العرب اليوم وهى تتورط فى الظلم والإرهاب والعنف والكراهية وتنتشر بأراضيها خرائط الدماء وتتسابق نخبها إلى امتهان كرامة الإنسان ليست إلى دوام.
سجلت هذه المعانى من قبل؛ وأعاود تسجيلها وإنسانيتنا يتحداها أولا الشر الخالص الذى يسفك الدماء فى بيروت وفى باريس، وتتحداها ثانيا التبريرات الفاسدة للقتل والعنف التى يسوقها ظلاميون آخرون فى مجتمعاتنا، وتتحداها ثالثا المعايير المزدوجة التى تجعل الجماعة الدولية تنتفض بعد تفجيرات باريس بينما هى تصمت عن الدماء فى بيروت وعن الدماء اليومية فى مواقع عربية أخرى، أعاود تسجيلها لكى لا ننسى أولوية الخلاص من الحصاد المر للاستبداد ولا نستسلم للجنون الذى تقودنا إلى هاويته مشاهد الدماء المفزعة.