أصحاب المساحات
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 16 ديسمبر 2015 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
منذ يومين، أصدرت لجنة حماية الصحفيين، وهى منظمة غير حكومية مقرها مدينة نيويورك فى الولايات المتحدة الأمريكية ونطاق عملها عالمى، تقريرها السنوى لعام 2015 بشأن جرائم احتجاز وحبس وسجن الصحفيين بسبب عملهم.
فى التقرير، تأتى مصر فى الموقع الثانى من حيث عدد الصحفيين المسلوبة حريتهم، متخلفة فقط عن الصين التى تحتجز سلطاتها 49 صحفيا. يثبت التقرير أن 23 صحفيا مصريا يقبعون وراء الأسوار، وهو الرقم الذى يتطابق مع أرقام الحد الأدنى الواردة فى تقارير بعض المنظمات الحقوقية المصرية. يسجل التقرير أيضا أن الحكومة المصرية عادة ما تتذرع «بمقتضيات حماية الأمن القومى» لتعقب وقمع الصحفيين المتمسكين بحرية تداول المعلومات وبالتعبير الحر عن الرأى.
على الرغم من المضمون الصادم الذى يحتويه التقرير بشأن تدهور أوضاع الصحفيين المصريين، فإن الإعلام المكتوب والمرئى تجاهله على نحو مريب. واقتصر تناول التقرير على إشارات عابرة فى بعض الصحف اليومية وبعض البرامج التليفزيونية، وعلى تعقيب موضوعى من قبل الأستاذ خالد البلشى ــ وكيل نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الحريات – الذى أكد دقة مجمل التقرير وذكر الرأى العام بأسماء عدد من الصحفيين المحتجزين / المحبوسين.
إذن، أيضا فيما خص سلب حرية زملائهم يفضل بعض الصحفيين والإعلاميين من «أصحاب المساحات» التجاهل على التناول، والصمت على التضامن العلنى، والانصراف إلى أمور الضجيج والصخب المعتادة على الاهتمام بالقضية المركزية لمهنتهم، الحرية.
هل يظن هؤلاء السادة من «أصحاب المساحات» أنهم فى مأمن من سلب الحرية؟ هل يعتقدون أن تأييدهم للحكم وامتناعهم عن معارضة أفعاله وممارساته سيحميهم من التعرض للتعقب؟ ألا يدركون أن سلب حرية الصحفيين هو معول هدم لمهنتهم شأنه شأن العصف بالحق فى تداول المعلومات والتعبير الحر عن الرأى دون قيود؟ ألم تدلل لهم تقلبات السنوات الماضية على أن القمع فى بر مصر لا يعرف حدودا دائمة لمن مع ومن ضد، ولا يعترف بالصداقات الأبدية، وكثيرا ما يتنصل من تصنيفات الخيرين والأشرار الإيديولوجية والسياسية؟ أم أن أولوية «أصحاب المساحات» هى للإبقاء على مساحاتهم حاضرة والحفاظ على المنافع المرتبطة بها وفقا للشروط التى يحددها الحكم وأجهزته، ودون استبعاد لاحتمالية تحولهم هم إلى ضحايا للقمع عندما تتجدد التقلبات، ولتذهب الحرية ويذهب مستقبل المهنة إلى الجحيم؟ وهل هى واقعية المنتفعين فى حدودها القصوى، تلك التى تجعلهم ينصرفون إلى الضجيج والصخب ويتجاهلون زملاءهم القابعين وراء الأسوار؟
للسادة «أصحاب المساحات» التفكير وربما الإجابة على هذه التساؤلات، إن أرادوا. وعلينا مسئولية توظيف المتاح لنا من مساحات محدودة، وهى باتت تضيق أكثر فى إيقاع شبه يومى وتتعرض بانتظام لأخطار المنع والحذف والرقابة الذاتية، لتوعية الرأى العام بحقائق سلب حرية بعض الصحفيين المصريين. وكذلك لتوثيق إجراءات القمع والتعقب التى يعانى منها صحفيون آخرون، وتناول تداعيات غياب الحرية على التزام وسائل الإعلام لقيم المهنية والموضوعية وعلى احترامها لحق المواطن فى المعلومة والحقيقة والمعرفة.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.