عودة المياه لمجاريها فى العلاقات المصرية ـــــ الأمريكية
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 17 يناير 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
عادت العلاقات المصرية ــ الأمريكية لطبيعتها المستقرة التى عرفتها لأكثر من ثلاثين عاما. فقد جاء مشروع قرار الميزانية الفيدرالية المعدل لعام 2014 والذى كشف النقاب عنه يوم الاثنين الماضى بدون أى تغيير فى مستوى المساعدات الاقتصادية 250 مليونا والعسكرية 1.3 مليار عما تلقته مصر خلال السنوات الأخيرة كدليل لعودة المياه لمجاريها بين العاصمتين. شكليا اشترط مشروع القرار أن تؤكد وزارة الخارجية والبيت الأبيض التزام حكومة مصر المؤقتة بالسير نحو إعادة الديمقراطية للبلاد عن طريق الاستفتاء الشعبى على الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة. كما اشترط مشروع القرار التأكيد على التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل.
وسيفرج الكونجرس عن 975 مليون دولار من المساعدات عقب اجراء إنجاز لاستفتاء على الدستور ويعقبها 576.8 مليون دولار عقب الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وقامت إدارة أوباما واللوبى الإسرائيلى وبعض الدول الخليجية كالسعودية والإمارات بضغوط حثيثة ليسمح الكونجرس بتضمين المساعدات المصرية فى الميزانية الجديدة.
عودة المياه لمجاريها فى العلاقات المصرية ـــــ الأمريكية
•••
ورغم أن إدارة أوباما أحجمت رسميا عن تسمية ما حدث بمصر يوم الثالث من يوليو الماضى انقلابا عسكريا، فإنها تصرفت وكأنه انقلاب من خلال عدة إجراءات عقابية. ورغم إدراك أوباما كما ظهر خلال حواره مع شبكة «سى.إن.إن» يوم 23 أغسطس من أن «المساعدات لمصر لن تغير ما قامت وتقوم به الحكومة المؤقتة»، فإنه قرر وقف شحن بعض الأسلحة لمصر. لكن أهم ما ذكره أوباما «أن العلاقات لن تعود على ما كانت عليه بسبب ما حدث»، وطالب بضرورة مراجعة علاقات بلاده مع مصر بصورة شاملة.
وبعد فض اعتصامى ميدان رابعة والنهضة ومقتل المئات، اتخذت واشنطن بعض الخطوات العقابية تجاه الجيش المصرى مثل وقف توريد طائرات إف 16، ووقف تزويد الجيش المصرى بطائرات الأباتشى من طراز «أى إتش 64 دى». كما ألغى الرئيس الأمريكى مناورات النجم الساطع بين الجيشين المصرى والأمريكى، وبعد ذلك أعلنت واشنطن وقف معظم المساعدات العسكرية لمصر فى التاسع من أكتوبر.
إلا أن رغبة أوباما فى مراجعة العلاقات فقد ذهبت مع مهب الريح بعودة النمط السابق الذى حكم العلاقات الثنائية لأكثر من ثلاثة عقود، والمتمثل فى شراكه استراتيجية تمثل فيها قضايا الحريات والديمقراطية حجة بلاغية وأخلاقية فقط من جانب واشنطن بما لا يتأثر معه طبيعة العلاقات الأمنية والاستخباراتية.
ولم يكتب النجاح لرغبة أوباما المبدئية غير الواقعية لاصطدامها بثلاث نقاط شديدة الأهمية:
أولا: احتفاء قادة البنتاجون خلال شهر أغسطس 2012 بوصول أول قيادة عسكرية تلقت تعليمها العالى بالولايات المتحدة American Trained Officers ممثلة فى الفريق عبدالفتاح السيسى والفريق صدقى صبحى، خريجى كلية الحرب الأمريكية بولاية بنسلفانيا. ويصعب على الكثير فى البنتاجون معاقبة أول قيادة تتفهم العقيدة العسكرية الأمريكية وترتبط بعلاقات ومعرفة واسعة مع المؤسسة العسكرية الأمريكية.
ثانيا: إدراك فريق كبير فى واشنطن أن المساعدات تحفظ لواشنطن نفوذها فى مصر لحد كبير رغم انحسار حجم هذا النفوذ، وتحافظ فى الوقت نفسه على مصالحها فى قناة السويس والمجال الجوى المصرى والتعاون الاستخبارى. ورغم أن الجيش المصرى لا يقبل دائما ما يطرح عليه من واشنطن، فإن خسارة العلاقات والتواصل مع الضباط المصريين سيكون خسارة كبيرة للولايات المتحدة.
ثالثا: يأس واشنطن من تغيير الجيش المصرى سلوكه المعتمد على الخيار الأمنى فى حل المشكلة السياسية فى مصر ورغم مطالبتها المتكررة بحل سياسى يشمل الجميع، فإن الفريق السيسى مازال مصمما على السير فى الاتجاه المعاكس لما تراه واشنطن. ولا تعرف كيف تضغط دون أن تخسر الحليف المهم. لذا اختارات أن تعود لجوهر العلاقات التقليدى بتجاهل قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان والتركيز على الشراكة الاستراتيجية.
•••
منذ عودة العلاقات العسكرية مع واشنطن بعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاق سلام عام 1979 نمت العلاقات بصورة كبيرة، وأصبح مكتب التعاون العسكرى OMC الملحق بالسفارة الأمريكية فى القاهرة، والمعنى بالتعاملات العسكرية بين الدولتين، يمثل ثانى أكبر مكتب من نوعه فى العالم، كما أصبح مبنى مكتب الدفاع المصرى فى واشنطن أكبر من السفارة المصرية فى المدينة نفسها.
تؤمن واشنطن بأن الجيش المصرى هو أهم وأقوى المؤسسات المصرية حتى خلال حكم الرئيس حسنى مبارك. ولا يتخيل الخبراء الاستراتيجيون الأمريكيون عدم وجود علاقات خاصة مع مصر، فهم يتذكرون جيدا دور جيش مصر فى حرب الخليج الأولى، تلك التى شارك فيها بما يزيد على 30 ألف عسكرى حاربوا بجوار الأمريكيين، وهو ما سهل من انضمام دول عربية أخرى للتحالف. وترى واشنطن أن الجيش المصرى يفهم العقيدة العسكرية الأمريكية، ويعتمد فى تسليحه على التكنولوجيا والعتاد الأمريكى. ولا تريد أن تتخيل واشنطن وجود جيش مصرى عقيدته إسلامية متشددة، ويسعى للحصول على سلاح نووى مثل نظيره الإيرانى. لا تتخيل واشنطن جيشًا مصريًا لديه موقف رمادى من قضية الحرب الأمريكية على الإرهاب مثل الجيش الباكستانى. وقطعا لا تريد واشنطن جيشا مصريا يحصل على سلاحه من دول أخرى منافسة مثل روسيا أو الصين، أو حتى صديقة مثل فرنسا وبريطانيا.
بسبب تركز العلاقات المصرية ــ الأمريكية فى جوهرها على معادلة «مساعدات مقابل تعاون» تم نقل ملف أزمة مصر إلى أيادى وزير الدفاع تشاك هاجل عقب إزاحة الجيش للرئيس محمد مرسى. وقد تطورت علاقات اللواء عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع المصرى بنظيره الأمريكى منذ توليه منصب وزير الدفاع فى أغسطس 2012، وانعكس ذلك فى إجراء 33 مكالمة هاتفية بينهما منذ الثالث من يوليو الماضى، أى بمعدل مكالمة كل ستة أيام!
ولليوم لا يعرف أحد تفاصيل هذه الاتصالات، فقط تخرج علينا من البنتاجون بيانات صحفية روتينية ومقتضبة لا تخوض فى أى تفاصيل