يناير.. هزائم متوقعة وانتصارات قادمة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 17 يناير 2022 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
مع حلول الذكرى الحادية عشرة لثورة 25 يناير، تتسع المسافات بين الشعارات التى كانت ترفعها وبين السياسات التى يتم تطبيقها على أرض الواقع، وبين التقدير الكبير الذى يوليه الدستور لها وبين النقد اللاذع الذى توجهه لها أصوات عديدة من بينها تصريحات متكررة لمسئولين كبار.
صحيح أن «ثورة يناير» فشلت فى إقامة «دولة يناير» لأسباب عديدة، ربما يأتى فى مقدمتها أن شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التى نجحت فى توحيد قوى الثورة لتحقيق هدفها المرحلى بإسقاط نظم حسنى مبارك، كانت هى أيضا السبب فى تراجع الثورة عن بناء دولتها، لأن كل المكونات السياسية التى شاركت فى الثورة كانت لها تصورات مختلفة لكيفية تطبيق هذه الشعارات.
القوى الإسلامية كانت تداعبها أحلام دولة الخلافة بتاريخها الحافل بالتوسعات والانتصارات وبالسوق المفتوحة، شرائح القوى اليمينية كان أفقها السياسى فى دولة يناير محصورا فى تطبيق إصلاحات ديمقراطية إجرائية على دولة مبارك كإجراء انتخابات بلا تزوير وإطلاق حرية الصحافة والتعبير، تداعبها أحلام مستحيلة فى الاندماج فى السوق الرأسمالية العالمية، فى حين توزعت مواقف القوى اليسارية بين اتجاهين أساسيين أولهما بناء دولة تتماهى مع تصورات القوى اليمينية يلعبون فيها دور المعارضة فى برلمانها، وثانيهما القوى الراديكالية التى كانت تراهن على دولة تتجه نحو الاشتراكية.
كل الثورات الكبرى فى التاريخ شهدت نفس الظاهرة، الشعارات التى وحدت قواها السياسية أثناء الثورة، كانت هى أيضا نفس الشعارات التى فرقتها فيما بعد، لم تكن ثورتنا خارجة عن هذا السياق، لكن الأخطاء التى ارتكبتها فصائلها المختلفة كانت فادحة بشكل لم يتوقعه المشاركون فى صنعها.
«الإخوان» اعتبروا الثورة وكأنها ملكية خاصة لتنظيمهم باعتبارهم أصحاب الجماهيرية الأكبر والأكثر تأثيرا وتنظيما فى الشارع السياسى آنذاك، والقوى المدنية من الليبراليين واليساريين فشلت فى بناء قواعد جماهيرية كبيرة تستطيع الدفاع عنها، وخلافاتهم الداخلية بين تياراتهم المختلفة وبين بعضهم البعض أضاعت جهودهم فى معارك جانبية منعتهم من كبح جماح كل القوى المضادة للثورة فى إبعادهم عن السلطة.
رغم قتامة الصورة، فإن هناك ضوءا فى نهاية النفق، تبدو من خلاله ثورة يناير وكأنها تلقى بظلال خافتة على جميع جوانب حياتنا، وتحفر لنفسها ببطء مكانا فى العقل السياسى المصرى، أهمها سقوط فكرة الفرعون الحاكم نصف الإله الذى لم نكن نستطيع أن نحاسبه بالمفاهيم الديمقراطية الحديثة، وهناك أيضا التململ الشعبى الواضح لفكرة الاستبداد المؤسسى الذى مارسته علينا الدولة ــ بنت الحاكم الفرعون ــ ربما على مدى تاريخنا كله، وهناك ثالثا وعى سياسى يتشكل على مهل لدى جيل جديد ينفتح على العالم وعلى قيم الحرية والديمقراطية.
قد لا تكون الطرق معبدة أمام هذه الأهداف لكى تصل إلى محطتها الأخيرة، وقد تلاقى ممانعة من هنا أو هناك، إلا أن عقارب الساعة لن تعود للوراء، حتى وإن تأخرت عدة سنوات عن موعدها.