المهام العاجلة لحل الاختناقات فى الاقتصاد المصرى
محمود عبد الفضيل
آخر تحديث:
الأحد 17 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
قبل أى حديث عن التطوير والنهوض الاقتصادى يجب حل المشاكل والاختناقات الخطيرة التى تمسك بتلابيب الاقتصاد المصرى والتى يقتضى حلها العاجل تيسير حياة المواطنين وتسيير عجلة الحياة الاقتصادية. وعلى رأس تلك الاختناقات: انتظام توليد الكهرباء و سلامة تشغيل مرفق السكة الحديد وحل أزمة نقص الوقود والسولار و حل مشكلة نقص الأسمدة الأزوتية وغيرها من الاختناقات. فالبنسبة لمشكلة الكهرباء صرّح مصدر مسئول فى وزارة الكهرباء بأن أزمة الوقود وصلت إلى ذروتها، مما أدى إلى خروج عدد من محطات إنتاج الكهرباء من الخدمة، وأفقد الشبكة الكهربائية القومية نحو 3500 ميجاوات بسبب ضعف ضخ الغاز الطبيعى بشكل منتظم وفراغ مخازن المحطات من السولار والمازوت المستخدم كوقود بديل للغاز الطبيعى، مما أدى إلى قطع الكهرباء عن بعض مناطق بالقاهرة الكبرى وعدد من مدن وقرى المحافظات. وقد ينتج عن تأخر وزارة البترول فى تعديل ضخ الغاز أو توفير سولار ومازوت للتشغيل البديل للغاز إظلام تام على مستوى الجمهورية، وهذا وضع خطير لابد من تداركه.
●●●
ورغم ارتباط أزمة الكهرباء بأزمة توفر الوقود بأنواعه وعلى رأسها السولار فقد أدت أزمة نقص الوقود والسولار إلى ضرب غالبية أنحاء الجمهورية وسط حالة من الشلل المرورى على الطرق السريعة الناتج عن امتداد طوابير السيارات على مدى عدة كيلومترات أمام محطات الوقود، وقد بلغت مدة الانتظار فى بعض محطات الوقود 150 دقيقة. وبالتبعية أدت أزمة الوقود إلى نمو وازدهار السوق السوداء فى السولار نتيجة عمليات التهريب المنظمة إلى خارج الجمهورية، حيث يصل حجم التهريب إلى 20٪ من حجم المنتج. وتشتد الأزمة فى محافظات الصعيد (المنيا، أسيوط، سوهاج) حيث يصل العجز ما بين 30 ــ 35٪. وقد أدت أزمة السولار بدورها إلى توقف العديد من المخابز والمزارع ومراكب الصيد فى العديد من المحافظات، مما يؤثر على مستوى الإنتاج الزراعى والسمكى بالإضافة إلى عدم توافر الخبز اللازم للعيش اليومى للمواطنين.
●●●
وهكذا يتضح مدى عدم صواب السياسات المتبّعة فى مجال الطاقة والوقود فى ظل نظام مبارك، وعلى رأسها تصدير الغاز الذى حذّر منه العديد من العلماء وعلى رأسهم عالم الجيولوجيا الراحل الدكتور رشدى سعيد. وبالنسبة لمشكلة مرفق السكك الحديدية، هناك نقص كبير بقطع الغيار اللازمة لتشغيل الجرارات والعربات ، وهو ما يهدد خدمة القطارات على مستوى الجمهورية وأنه يتم فى معظم الأحوال استخدام قطع غيار قديمة ومستعملة مما يؤثر على كفاءة التشغيل.
هذا ناهيك عن ضرورة إجراء عمليات إحلال و تجديد واسعة للجرارات وصيانة القضبان وتجديد الإشارات وتحديثها، نظرا لوقوع حوادث القطارات التى تكررت فى الفترة الأخيرة. إذ أن مرفق السكة الحديد يعتبر مرفقا حيويا لنقل الركاب والبضائع، خاصة أن مرفق سكك حديد مصر كان من أوائل مشروعات السكك الحديدة فى العالم. وبالنسبة لمشكلة نقص الأسمدة الأزوتية، فقد حذّر خبراء الزراعة من النقص الشديد فى الأسمدة الأزوتية اللازمة لزراعة المحاصيل المختلفة خلال الموسم الصيفى، فقد توقّع رئيس قطاع المتابعة والخدمات بوزارة الزراعة أن يصل العجز خلال السنة الزراعية (2012 ــ 2013) إلى 680 ألف طن يوريا و650 ألف طن نترات. حيث خفضت شركات قطاع الأعمال العام وتوريداتها الشهرية من الأسمدة من 210 آلاف طن تم توريدها فى السنة الزراعية 2011/2012 إلى 150 ألف طن فقط فى السنة الزراعية 2012/2013 الحالية. الأمر الذى ينذر بأن الموسم الصيفى المقبل سوف يعانى من عجز كبير فى الأسمدة.
●●●
وهذا النقص الفادح فى الأسمدة الزراعية يهدد الإنتاج الزراعى برمته والأمن الغذائى عموما، ويفرض أعباء إضافية على ميزان المدفوعات. وهكذا تضح خطورة تلك الاختناقات وتأثيرها على مسيرة الاقتصاد الوطنى فى الأجل القصير، إذ أن عدم انتظام شبكات التوزيع للسلع والخدمات الأساسية (الخبز، البوتاجاز، السولار، وخدمات السكة الحديد) يؤدى إلى انهيارات اقتصادية وتململات اجتماعية شديدة، ولعله من المعروف جيدا أن اضطراب شبكة التوزيع للسلع والخدمات الأساسية (Distribution of supply chain) كان أحد أسباب الانهيار الاقتصادى فى الاقتصاد السوفييتى سابقا، كما يتضح أن التغنّى بارتفاع معدلات النمو للناتج المحلى الإجمالى قبل ثورة 25 يناير، والتى قيل أنها وصلت إلى 7٪ كانت تخفى ثلاثة عناصر لأزمة اقتصادية كامنة:
1ــ ضعف واهتراء البنية الأساسية فى قطاع الكهرباء ومرفق السكك الحديدية وكل ما يرتبط بمنظومة الوقود.
2ــ سوء توزيع الاستثمارات وتركّزها فى قطاعى العقارات والمال على حساب القطاعات الإنتاجية فى الزراعة والصناعة والخدمات المنتجة ومشروعات البنية الأساسية.
3ــ الآثار السلبية على توزيع الدخل فى المجتمع المصرى، حيث ارتفعت درجات تمركز الدخول لدى الأغنياء فى قمة التوزيع وتدهورت الدخول والأوضاع المعيشية لـ50٪ فى قاع خريطة توزيع الدخل.
●●●
وهذا يستدعى بدوره حزمة من السياسات الجديدة الاستثمارية والضريبية والاجتماعية التى تحقق شعارات الثورة فى العيش الكريم والعدالة الاجتماعية فى إطار استراتيجية للنهوض الاقتصادى وتعبئة الموارد البشرية والمادية لمزيد من الاعتماد على الذات وتحقيق انطلاقة اقتصادية خلال السنوات المقبلة.
أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة