كيف تجاهلنا مصائرهم؟
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 فبراير 2015 - 8:50 ص
بتوقيت القاهرة
أكتب عن فقراء من صعيد مصر دفعهم الكد لتأمين قوت اليوم ﻷسرهم، والضعف الشديد للمقابل المادى الذى تحصل عليه العمالة البسيطة فى الصعيد ومناطق بلادنا الأخرى إلى الارتحال غربا إلى ليبيا على ما بها من حروب الكل ضد الكل وجنون الإرهاب والعنف، عنهم أكتب وعن تجاهل كارثى لمأساة اختطاف بعضهم تورطنا به وسط صخب وضجيج وتقلبات وموضات نقاشنا العام.
أكتب عن مصريين مسيحيين فقراء كانوا يقطنون مع أسرهم بعض مدن وقرى شمال محافظة المنيا، وبعد أن سئموا حياة «الأنفار» المستنزفين فى العمل الزراعى وأعمال البناء بأجور لا «تغنى من جوع» أو بعد أن عانوا مرارات البطالة ذهبوا إلى العمل فى ليبيا، ولم يختلفوا هنا عن الكثير من أقرانهم من الصعايدة المسلمين. ارتحلوا غربا إلى حيث الحروب والجنون، فى مقامرة بحياتهم وبإنسانيتهم المحبة للحياة هربا من حياة «الأنفار» التى لا إنسانية بها ولا شىء مؤكدا سوى الموت البطىء. وفى ليبيا لم يجدوا إلا كارهى كل حياة وسفاكى كل دماء فى الانتظار بجرائم خطف وسلب حرية على الهوية الدينية، وبجريمة قتل بشعة على الهوية الدينية. وها هم يتركون ذويهم من ورائهم، وقد أضيفت إلى الفقر آلام الظلم وأحزان الفراق والحسرة إزاء عجز الحكومة المصرية عن التواصل معهم بشفافية بشأن مصير الأبناء المختطفين، وإزاء الصمت الرسمى والشعبى الذى لم يغيره أخيرا إلا التداول الإعلامى لما ينذر بقرب حدوث جريمة القتل.
كيف تجاهلنا مصائر المصريين المسيحيين المختطفين فى ليبيا، ونحن ندين قتل الأبرياء والعنف الرسمى وكافة انتهاكات الحقوق والحريات؟ كيف تجاهلنا مصائرهم وجعلنا منهم مسكوتا عنه، ونحن ندين وحشية ودموية عصابات الإرهاب التى تسقط الأبرياء من الجنود والضباط ومن المدنيين فى سيناء وفى مناطق أخرى؟ كيف أسقطنا من دوائر وعينا اليومى هؤلاء الضعفاء الذين دفعتهم مظالم مجتمعنا متمثلة فى الفقر وغياب الحدود الدنيا من الحياة الكريمة إلى الارتحال إلى حيث دوامات الحروب والجنون طلبا لشىء من الرزق، ثم أسقطتهم الدوامات هذه فى غياهبها؟
كيف أمكن لنا ذلك، نحن الذين نرفض التورط فى نفاق من يدينون فقط الإرهاب ويقدمون ضحايا الانتهاكات قرابين لنظريات المؤامرة الرسمية / الإعلامية ولهيستيريا العقاب الجماعى ومن اعتادوا تبرير القتل وسقوط الضحايا فى فض الاعتصامات والتظاهرات والمسيرات ولا يزالون؟ كيف أمكن لنا ذلك، نحن الذين نرفض التورط فى تطرف من يبررون صمتا الإرهاب ومن تدفعهم نظريات المؤامرة المضادة إلى التخلى عن كل نزوع أخلاقى وإنسانى حين يتجاهلون دماء ضحايا الإرهاب ويخلطون الأوراق بين معارضة السلطوية الراهنة بسلمية كاملة تنتصر للمواطن وللمجتمع وللدولة وبين حمل السلاح ضد ثلاثتهم؟
كيف تجاهلنا مصائرهم، ولم نوظف بجدية الهوامش المتاحة لنا فى النقاش العام للتنبيه إلى كون الأمر يتعلق بجريمة ضد الإنسانية كاملة العناصر وبخطر قتل على الهوية الدينية يستدعى حراكا شعبيا ورسميا وتضامنا إقليميا ودوليا لإنقاذ المختطفين؟ كيف أمكن لنا ذلك، ونحن نخون يوميا من قبل مروجى نظريات المؤامرة الرسمية / الإعلامية ونشوه يوميا من قبل أصحاب نظريات المؤامرة المضادة، وبين الأولين والتابعين صنوف من مفكرى "تنوير زائف" ومدعى "حكمة لاحقة" وكذلك من صرعى «الرؤى الأحادية»، لتمسكنا بحقوق الإنسان من دون معايير مزدوجة ولإصرارنا على رفض التبرير الفاسد لحمل السلاح وكل تحريض على الإرهاب والعنف والتطرف؟
فى تجاهل تناول مصائر المصريين المسيحيين المختطفين فى ليبيا تقصير فادح يستوجب الاعتذار العلنى ويستوجب الوعى بضرورة أن تتبنى أصوات ومجموعات الديمقراطية الدفاع عن جميع قضايا الحقوق والحريات من دون انجرار وراء صخب وضجيج وتقلبات وموضات نقاشنا العام، وجميعها تحجب أكثر مما تفصح. ويستوجب، بعد الدعوة لهم بالرحمة ولذويهم بالصبر، الصمت.