ممر الهيدروجين الجنوبى.. مشروع استراتيجى لنقل الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا

قضايا اقتصادية
قضايا اقتصادية

آخر تحديث: الإثنين 17 فبراير 2025 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالًا للباحثة أمل إسماعيل، تناولت فيه استراتيجة الدول الأوروبية لتحول الطاقة، وماهية مشروع الهيدروجين الجنوبى (الأطراف الموقعة- طوله-الهدف منه)، وأخيرا تطرقت الكاتبة إلى فرص مصر للاستفادة من هذا المشروع.. نعرض من المقال ما يلى:
فى يناير 2025، وقّعت الجزائر مع ألمانيا وإيطاليا وتونس والنمسا إعلان النوايا السياسية المشترك لتطوير مشروع ممر الهيدروجين الجنوبى. والذى يهدف إلى نقل الهيدروجين الأخضر المنتج فى شمال إفريقيا -وتحديدا الجزائر- إلى أوروبا عبر تونس وإيطاليا، وذلك باستخدام بنية تحتية متطورة تتضمن خط أنابيب مخصصًا وجاهزًا لنقل الهيدروجين. ويعتبر المشروع الذى من المقدر الانتهاء منه وتشغيله بحلول 2030 من أهم خطوات أوروبا للتحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى، فضلًا عن تأمين وتنوع إمدادات الطاقة للقارة بعيدًا عن الغاز الروسى أو الاضطرابات الجيوسياسية التى تحدث فى المنطقة.

 


• • •
تعتمد أوروبا على استراتيجية شاملة لتحول الطاقة تهدف إلى تحقيق الحياد الكربونى بحلول عام 2050، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55% بحلول 2030 (مقارنة بمستويات عام 1990)، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر.
ولتحقيق أهداف أوروبا نحو تحول الطاقة، أعلن الاتحاد الأوروبى منذ عام 2019 عددًا من المبادرات والاستراتيجيات الرئيسية التى تحدد الأهداف والإجراءات والسياسات التى تخدم تحقيق أهدافها، وفى مقدمتها الصفقة الخضراء الأوروبية (EU Green Deal)، والتى تعتبر إطارًا شاملًا لتحول الطاقة والاستدامة البيئية. وتهدف إلى جعل أوروبا أول قارة خالية من الكربون بحلول عام 2050.
واهتمت القارة الأوروبية بالهيدروجين الأخضر باعتباره المحرك الرئيسى لتحول الطاقة فى القارة وتحقيق أهدافها المناخية، فأعلنت استراتيجية الهيدروجين الأخضر الأوروبى، والتى تهدف إلى تطوير إنتاج واستخدام ونقل الهيدروجين النظيف لدعم التحول إلى الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات الكربون. وذلك من خلال إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا واستيراد الكمية نفسها بحلول عام 2030. مع التركيز على خفض الانبعاثات فى قطاعات الصناعات الثقيلة والنقل والكهرباء. ومن خلال مراحل تنفيذ الاستراتيجية الثلاث، تعمل أوروبا على إنشاء سوق أوروبية متكاملة للهيدروجين، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية لنقل وتخزين الهيدروجين.
ولدعم تنفيذ سياسات ومبادرات الاتحاد الأوروبى كان لا بد من توفير التمويل اللازم وخاصة فيما يخص مشروعات إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر والتى لا تزال فى طور التكلفة العالية نسبيًا مقارنة بمشروعات الطاقة المتجددة أو إنتاج ونقل الغاز الطبيعي؛ لذا أعلن الاتحاد الأوروبى عام 2023 عن إنشاء بنك الهيدروجين الأوروبى لدعم تمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر. ويستهدف ضخ 3 مليارات يورو لدعم تطوير تقنيات الإنتاج والنقل.
• • •
فكرت أوروبا فى أهمية وجود بنية تحتية مناسبة لنقل واستخدام الهيدروجين الأخضر ووجود شبكة من خطوط النقل والأنابيب، فحرصت على إنشاء ما يسمى بـ “ممرات الهيدروجين الأوروبية” وهى شبكة من خطوط الأنابيب والبنية التحتية المصممة لنقل الهيدروجين الأخضر من مناطق الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك الرئيسية فى أوروبا سواء داخل أوروبا بين دول الاتحاد، أو من خارج أوروبا وخاصة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتى تعتبر سوقًا واعدة بالنسبة للقارة فى إنتاج ونقل الهيدروجين بتكلفة أقل؛ نظرًا لتوفر مصادر الطاقة المتجددة.

حتى الآن تم الإعلان عن عدد من مبادرات لممرات أوروبية لنقل الهيدروجين الأخضر. وأهم الممرات التى أعلن عنها هي: أولا-ممر الهيدروجين الشمالى الذى يربط دول الشمال الأوروبى، مثل النرويج والدنمارك والمملكة المتحدة بألمانيا وبلجيكا وهولندا.
ثانيا-ممر الهيدروجين الشرقى ينقل الهيدروجين من شرق أوروبا إلى وسط أوروبا وألمانيا والنمسا.
ثالثا-ممر الهيدروجين الغربى الذى يربط إسبانيا وفرنسا بألمانيا وهولندا.
رابعا-ممر الهيدروجين الجنوبي: يمتد من شمال أفريقيا الجزائر وتونس عبر إسبانيا وفرنسا وصولًا إلى ألمانيا.
• • •
ممر الهيدروجين الجنوبى هو مشروع استراتيجى يهدف إلى ربط مواقع إنتاج الهيدروجين الأخضر فى الجزائر بالاتحاد الأوروبى عبر تونس، بمشاركة دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا والنمسا. يهدف المشروع إلى تطوير بنية تحتية لنقل الهيدروجين بين الجزائر وتونس وأوروبا. فى 21 يناير 2025، تم توقيع إعلان النيات السياسية المشترك بشأن مشروع ممر الهيدروجين الجنوبى فى روما، بحضور ممثلين من الجزائر، إيطاليا، ألمانيا، النمسا، وتونس. بقيادة 4 مشغلين رئيسيين لنظام الطاقة الأوروبي؛ وهم شركات: سنام الإيطالية، و”ترانس أوستريا غاسليتنج” و”جاز كونكت أوستريا” النمساويتان، وبايرنتس الألمانية.
يمتد المشروع على مسافة 3300 كيلومتر فى أوروبا، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 500 إلى 900 كيلومتر فى شمال أفريقيا بين الجزائر وتونس. تقدر قدرة النقل الخاصة بالمشروع بحوالى 4 ملايين طن من الهيدروجين سنويًا. تقدر تكلفة المشروع بين 5.2 إلى 5.9 مليارات يورو، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله بالكامل بحلول عام 2030.
إن تطوير الممر الجنوبى، والذى يعد جزءًا من العمود الفقرى للهيدروجين الأوروبى، سيضمن أمن الإمدادات وهو أمر بالغ الأهمية لتطوير العمود الفقرى للهيدروجين. وتتركز المبادرة حول الاستفادة من البنية التحتية الحالية المعاد استخدامها لنقل الهيدروجين، مع إدراج بعض البنية التحتية المخصصة الجديدة. ستمكن نسبة عالية من خطوط الأنابيب المعاد استخدامها (65%) من نقل الهيدروجين بشكل فاعل من حيث التكلفة، فى حين أن الوصول إلى مواقع إنتاج الهيدروجين المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية) المواتية فى شمال أفريقيا سيمكن الإنتاج التنافسي؛ مما يعود بالنفع فى نهاية المطاف على المستخدم النهائى.

وقد حظى الممر بتأييد المؤسسات فضلًا عن الدعم القوى من الشركات عبر سلسلة القيمة بأكملها وعلى طول الطريق من إيطاليا عبر النمسا إلى ألمانيا. وسيتم إنتاج الهيدروجين المتجدد فى شمال أفريقيا، بقدرات إنتاج حوالى 2.5 مليون طن سنويًا من الهيدروجين المتجدد. ثم يتدفق شمالًا. ويخدم بذلك مشروع العمود الفقرى للهيدروجين الذى يمتد من نقطة الدخول فى صقلية إلى نقاط التصدير مع النمسا وسويسرا؛ مما يتيح نقل الهيدروجين المنتج فى شمال أفريقيا وجنوب إيطاليا إلى مناطق الاستهلاك الإيطالية والأوروبية الرئيسية، والتى تعد أجزاء من مشروع العمود الفقرى للهيدروجين الأوروبى.
• • •
الممر الجنوبى يعتبر جزءًا من خطة أكبر لتعزيز التعاون الإقليمى فى مجال الطاقة المتجددة، وهو يهدف إلى تعزيز الإنتاج والنقل والتصدير للهيدروجين الأخضر إلى أوروبا، عبر الجزائر إلى البحر الأبيض المتوسط ومن ثَمّ إلى الأسواق الأوروبية. وبالتالى يمكن لمصر الاستفادة من هذا المشروع وتعزيز مكانتها فى المنطقة من خلال كونها لاعبًا رئيسيًا فى سوق الهيدروجين الأخضر، لامتلاكها المقومات التى تسعى إليها أوروبا وهى الموقع الجغرافى الفريد، وتوفر مصادر الطاقة المتجددة وتنوعها وبالتالى خفض التكلفة، بالإضافة إلى وجود دعم سياسى قوى لمشروعات الهيدروجين فى مصر من شأنه أن يسرع فى تحقيق أهداف أوروبا.
لكن فى الوقت نفسه، يمكن أن يشكل هذا المشروع تهديدا لمصر. لذا على مصر أن تكون منتبهة للمنافسة فى منطقة شمال أفريقيا تحديدًا والعمل على استراتيجيات تعاون مبتكرة لتحقيق أقصى استفادة من هذا المشروع، أو من مشروعات إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر مع أوروبا بشكل عام. قد تكون السرعة والحوافز والدعم السياسى مطلوبة بصورة أكبر وأكثر وضوحًا الآن فى ظل التغييرات السياسية وصعود ترامب مرة أخرى لرئاسة الولايات المتحدة، وما تبعه من قرارات بشأن تراجع العمل المناخى. ولكن يمكن للدور الأوروبى والصينى أن يتصدر المشهد العالمى، وعليه يجب أن تحجز مصر لنفسها مكانًا بارزًا فى هذا السباق العالمى نحو الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وتعزز التعاون مع دول المنطقة فى خلق سوق إقليمية للهيدروجين.

 

النص الأصلى:
https://rb.gy/h80b1l

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved