الفقراء فى شرم الشيخ
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 مارس 2015 - 10:50 ص
بتوقيت القاهرة
رغم الانتصارات الاقتصادية والسياسية التى حققها مؤتمر شرم الشيخ، سواء بالصفقات ومذكرات التفاهم التى وصلت قيمتها فى بعض التقديرات إلى 200 مليار دولار، أو بالحضور الدولى اللافت والداعم لمصر والذى فاجأ ربما الحكومة نفسها ــ فإن هناك الكثير من الأسئلة الصعبة التى غابت عن فاعليات المؤتمر، والتى ربما يأتى فى مقدمتها مدى انعكاس هذه المليارات على تحسين حياة الفقراء ومحدوى الدخل فى مصر، فى ظل اقتصاد السوق الحرة الذى تبنته الحكومة صراحة، والذى يهدد بإعادة إنتاج دولة السادات ومبارك، بتكدس الثروة فى أيدى نخبة اقتصادية صغيرة، على حساب الأغلبية الساحقة من المقهورين.
قبل المؤتمر بعدة أيام، اتخذت الحكومة عدة إجراءات اقتصادية خطيرة، منها تخفيض الضرائب على ثروات رجال الأعمال والمستثمرين، وإصدرا قانون الاستثمار المثير للجدل والذى يطيح بحقوق الضمان الاجتماعى للعمال، بالإضافة إلى قانون تحصين العقود، وهى الإجراءات التى تواكبت مع استمرار تنفيذ روشتة المؤسسات الاقتصادية الغربية برفع الدعم عن السلع الضرورية، والمضى قدما فى سياسات الخصخصة، فى ظل غياب تام عن دور الدولة الاجتماعى، وهى السياسات التى تبناها الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان ورئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت ثاتشر، وحققت رواجا اقتصاديا هائلا، انقلب بعد عدة سنوات إلى كوارث مالية وبنكية وأزمات اقتصادية طاحنة، دفعت ثمنها الطبقات الوسطى فى البلدين، وأسفرت عن احتجاجات اجتماعية واسعة كان على رأسها حركة «وول ستريت» فى أمريكا، والتى تم احتواؤها بتكاليف باهظة، لا نستطيع نحن فى مصر تحمل فاتورتها لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا أمنيا!
لا أريد إفساد فرحة المصريين بنجاح مؤتمر شرم الشيخ، ولا أريد أن أقول أيضا إن هناك بدائل غير رأسمالية يمكن اتباعها فى مصر للقضاء على الفقر بشكل جاد وحقيقى، لكن من الصعب فهم تبنى الرئيس السيسى وحكومة محلب سياسات اقتصادية ليبرالية وترجمتها إلى تشريعات وقوانين، دون أن يتخذوا خطوات جادة لبناء نظام ديمقراطى ليبرالى أيضا، يقر بالحق فى التظاهر بدون كل هذه التضييقات البوليسية الموجودة فى القانون الحالى، ويقر بحقوق العمال فى الإضراب وتحسين شروط العمل، ويقر أيضا بالاحتجاجات السلمية بدون إطلاق الشرطة الخرطوش وقنابل الغاز المسيل للدموع، كما حدث أخيرا مع مظاهرة حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، التى قتلت فيها عضوة الحزب شيماء الصباغ.
الإصلاحات السياسية هى البوابة الحقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية فى مصر، لكن ما يحدث الآن هو وضع العربة أمام الحصان، فحصول الفقراء على حقوقهم لن يتحقق إلا بمؤسسات حزبية وسياسية فاعلة ونشيطة، وهو ما نفتقده الآن لظروف تاريخية عديدة أهمها ميراث القمع الطويل، والتدخلات الأمنية فى شئون الأحزاب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتأميم السياسة منذ عشرات السنين، وأيضا لضعف الحركات الشعبية والثورية فى الشارع السياسى حاليا، بكل ما كان يمكن أن تمثله من ضغط مفترض على الحكومة!
ومن هنا، فإن مؤتمر شرم الشيخ بدون هذه الإصلاحات السياسية، والتى تقع على عاتق الدولة، سيواجه مطبات صعبة لا يتوقع أحد فى حكومتنا خطورتها حتى الآن..