نحو فرض عزلة دبلوماسية على إسرائيل
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
الجمعة 17 أبريل 2009 - 4:26 م
بتوقيت القاهرة
هناك من يؤمن بأن المصائب إذا حلت فلابد أن تأتى دفعة واحدة، ويبدو أن ذلك قد تحقق بالفعل.. أولا بتولى بنيامين نتنياهو رئاسة حكومة يمينية متطرفة فى إسرائيل، وثانيا حصول أفيجدور ليبرمان على منصب وزير الخارجية، ذلك مع سيل من التصريحات ترفض مبدأ إقامة دولتين، وتتنكر لمرجعيات السلام التى سبق الاتفاق عليها وتؤكد أن مسيرة السلام قد لفظت أنفاسها الأخيرة. عادة ما تحتاج الدول لوجه مقبول تقدمه للعالم كرئيس لجهاز دبلوماسيتها، وتراعى أن يتوافر لديه قدر من الكياسة والخبرة فى التعامل مع الآخرين. غير أن ذلك كان أبعد شىء عن ذهن إسرائيل، حيث لم يحاول رئيس الحكومة الجديد ولا الكنيست الذى صوت بمنحه الثقة تجميل صورتها أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتها التى تهاوت إلى القاع بعد العدوان على غزة. والتفسير الوحيد لذلك هو أن نتنياهو قد توصل إلى قناعة مفادها أن «العطار لا يمكنه إصلاح ما أفسده الدهر»!
عندما هاجر ليبرمان لإسرائيل عام 1978 انضم إلى حزب كاخ المتطرف، وهو الحزب الذى اعتُبر بعد ذلك منظمة إرهابية. ثم انضم إلى الليكود، وبعدها أسس حزب «إسرائيل بيتنا» اليمينى المتطرف. ودعونا نمعن النظر فيما اقترفه هذا الرجل فى حق مصر، وفى حق عرب إسرائيل، وحق الفلسطينيين، وتجاه عملية السلام. ففى عام 1998 هدد بضرب السد العالى، وفى العام الماضى تفوه بألفاظ نابية معروفة، وعندما اعتذر أولمرت وبيريز عن تصرفه وبخهما ليبرمان بشدة. ثم لا نعرف من أين أتى ليبرمان بادعاء أن مصر تستعد لشن حرب على إسرائيل وتنتظر اليوم الذى تحشد فيه قواتها فى سيناء، والآن يستخف بما تردد عن إمكانية عدم استقباله فى مصر.
أما بالنسبة لعرب إسرائيل، فحدث ولا حرج. اعتبر ليبرمان أنهم يمثلون المشكلة الأعظم أمام إسرائيل التى تفوق مشكلة الفلسطينيين. وطالب بتهجيرهم إلى الضفة، وهدد بحرمانهم من التصويت فى الانتخابات إذا لم يؤكدوا كتابة ولائهم لدولة إسرائيل، ولم يتورع فى عام 2006 عن المطالبة بالتصفية الجسدية لأعضاء الكنيست من العرب الذين أجروا اتصالات مع الحكومة التى ترأستها حماس. وأخيرا وليس آخرا دعا إلى إلقاء الفلسطينيين الموجودين فى السجون الإسرائيلية فى البحر الميت، مؤكدا استعداده لتوفير وسائل النقل اللازمة لشحنهم إلى هناك!.
وبالنسبة للعملية السلمية فهو لا يؤمن بمبدأ الدولتين، ولا الأرض مقابل السلام، ويعتقد أن جهود السلام قد وصلت إلى طريق مسدود، ولا يرى أى جدوى فى استمرار المفاوضات حول دولة فلسطينية، ولا يعترف بما تم الاتفاق عليه فى أنابوليس نهاية عام 2007، والوثيقة الوحيدة التى أقر بها هى خريطة الطريق لعام 2003.
تراوحت الاقتراحات حول كيفية التعامل مع صاحب هذه الأفكار المتطرفة والعنصرية، وذلك ما بين مطالبته بالاعتذار، أو إعلانه عن تراجعه عن مواقفه، أو منعه من دخول الأراضى المصرية أو القيام بحمله لخلعه من منصبه. وفى تصورى أن أيا من هذه الاقتراحات لن تحل مشكلاتنا مع هذا الرجل أو مشكلات الفلسطينيين أو تنقذ عملية السلام، لأن الأمر لا يتعلق بشخص بقدر تعلقه بسياسة وتوجه جديد للحكومة الإسرائيلية. ومن المهم هنا استدعاء موقف الاتحاد الأوروبى عندما واجه عام 2000 موقفا مشابها للموقف الذى نواجهه الآن. فعقب تشكيل حكومة نمساوية بمشاركة حزب يمينى متطرف، وهو حزب «الحرية» بزعامة يورج هايدر Jorg Haider المعروف بتعاطفه مع النازية وبأفكاره العنصرية حيال الأجانب والمهاجرين، ولأول مرة فى تاريخ الاتحاد الأوروبى، يقوم الاتحاد بفرض عقوبات دبلوماسية على عضو فيه وهى النمسا، حيث قررت باقى دول الاتحاد تجميد الاتصالات الثنائية مع النمسا وعدم إجراء اتصالات أو عقد اجتماعات على مستوى السفراء والامتناع عن تعضيد ترشيح أى مرشح نمساوى للمناصب الشاغرة فى المحافل الدولية. وتزعم فرض العزلة الدبلوماسية هذه على النمسا كل من فرنسا وبلجيكا وألمانيا الذين اعتبروا أن الاتحاد الأوروبى إنما يجسد قيما لا يمكن التفريط فيها، وبالتالى يجب أن ينأى الاتحاد بنفسه عن هذه المواقف العنصرية التى يتبناها هايدر.
هكذا نرى كيف تعامل الاتحاد الأوروبى مع دولة عضو فيه سمحت بانخراط حزب يمينى يرأسه شخص له أفكار عنصرية فى حكومة هذه الدولة. وأعتقد أن هذا الموقف يشكل سابقة أمام ما نواجهه الآن من قِبل إسرائيل وحكومتها.
وأرجو أن يكف البعض عن التلويح «بفزاعة» معاهدة السلام لأن المعاهدة لا يمكنها أن تسلب سيادتنا أو تقيد من حريتنا فى إدارة علاقاتنا الخارجية.
وأقترح فى مواجهة الموقف الحالى تحركنا عاجلا على عدة محاور: الأول يخص الدول العربية التى لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وهى مصر والأردن، حيث يمكن للدولتين فرض عقوبات دبلوماسية على إسرائيل على غرار العقوبات التى وقعها الاتحاد الأوروبى على النمسا، وذلك إلى حين تأكيد حكومة إسرائيل بصوت واحد التزامها بكل مرجعيات السلام. أما موريتانيا وهى الدولة العربية الثالثة التى أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فقد استدعت سفيرها فى تل أبيب ثم أغلقت السفارة الإسرائيلية فى نواكشوط فى مارس الماضى بسبب الهجوم الإسرائيلى على غزة.
أما المحور الثانى، فيكون بحث الدول الصديقة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على أن تفعل الشىء نفسه تجاه إسرائيل. وجدير بالذكر أن فنزويلا قطعت بالفعل علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل فى شهر يناير الماضى؛ احتجاجا على عدوانها على غزة، وفعلت بوليفيا الشىء نفسه، بل وطالبت بمحاكمة القادة الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
والتحرك الثالث يكون بقيام الدول العربية بحث الاتحاد الأوروبى على الإبطاء على خطواته الحالية الرامية إلى توسيع دائرة علاقته بإسرائيل. وقد سبق للاتحاد الأوروبى أن أوقف التعاون العلمى مع إسرائيل عام 1990 بسبب إغلاقها الجامعات والمعاهد الفلسطينية مما اضطر إسرائيل إلى إعادة فتحها. كما أن البرلمان الأوروبى أوصى عام 2002 بتعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وإن لم تتجاوب المفوضية الأوروبية مع موقف البرلمان.
والتحرك الرابع لابد وأن يتجه صوب الولايات المتحدة. والواقع أننى لا أتفق مع الرأى القائل بأن أى محاولة للمساس بالعلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيكون مصيرها الفشل. فأمريكا لها سجل طويل فى التعامل بالقسوة اللازمة مع إسرائيل فى عديد من المواقف. كلنا نذكر بالطبع كيف قام الرئيس الأمريكى أيزنهاور بالضغط على إسرائيل كى تنسحب من شبه جزيرة سيناء بعد العدوان الثلاثى عام 1956، وفى مارس 1975 أعلن الرئيس الأمريكى فورد عن إعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل (Reassessment) بعد أن فشل وزير خارجيته هنرى كيسنجر فى التغلب على التعنت الإسرائيلى أثناء جولاته المكوكية فى المنطقة الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق فض الاشتباك الثانى بين مصر وإسرائيل. وكان يعنى هذا تعليق الاتفاقات العسكرية والاقتصادية الجديدة مع إسرائيل. ومعروف أن اتفاق فض الاشتباك هذا لم يتم التوصل إليه إلا فى سبتمبر 1975. كما أعلن الرئيس الأمريكى ريجان عام 1981 تعليق اتفاق التعاون الإستراتيجى بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب ضم الأخيرة لهضبة الجولان السورية. وفى عام 1991 قام الرئيس جورج بوش الأب بتأجيل النظر فى طلب إسرائيل الحصول عن ضمانات لقروض تحتاجها لاستيعاب اليهود من الاتحاد السوفيتى وأثيوبيا وذلك بسبب معارضة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية. وحتى فى عهد جورج بوش الابن فرضت أمريكا حظرا على بعض قطع لغيار الطائرات الهليكوبتر الأمريكية كانت تستخدمها إسرائيل فى اصطياد الفلسطينيين من الجو. وهددت أمريكا بمنع إمداد إسرائيل بالتكنولوجيا العسكرية إذا لم توقف صفقات بيع السلاح إلى الصين.
وهناك نُذر لعاصفة يمكن أن تلبد سماء العلاقات بين أمريكا وإسرائيل مع بداية عصر الرئيس الأمريكى الجديد أوباما، فقد انتقدت وزير الخارجية هيلارى كلينتون إسرائيل أثناء زيارتها الأخيرة لها لهدمها المنازل الفلسطينية فى القدس الشرقية ثم طالبت وزارة الخارجية الأمريكية إسرائيل بإيضاحات عن هذا التصرف الذى تراه الولايات المتحدة مناقضا لما جاء بخارطة الطريق التى يعتبرها ليبرمان نفسه مرجعه الأوحد!، كما نلاحظ الجدل القائم بين أمريكا وإسرائيل حول الالتزام بما تم التوصل إليه فى أنابوليس عام 2007.
لذلك فإذا كانت الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستوصد الأبواب أمامنا فى شأن عملية السلام، فالأبواب مفتوحة على امتداد العالم، حيث يمكننا من خلالها حمل إسرائيل على الالتزام بمرجعيات السلام التى أرسيت بشق الأنفس على مر السنين.