مصر من توت عنخ آمون إلى حسنى مبارك

محمد السماك
محمد السماك

آخر تحديث: الأحد 17 أبريل 2011 - 10:46 ص بتوقيت القاهرة

أى مصر بعد الرئيس حسنى مبارك؟
أى دور للجيش، والى متى يمكن أن يستمر هذا الدور؟ وكيف؟
للإجابة على هذه الأسئلة ذهب المؤرخ الأمريكى أستاذ التاريخ فى جامعة هارفارد الأمريكية توبى ويلكنسون ثلاثة آلاف سنة إلى الوراء، بحثا عن نماذج وأمثلة.

وجد المؤرخ حوادث مشابهة ترتبت عن فراغ مفاجئ فى السلطة. فالملك الشاب ــ اليافع ــ توت عنخ آمون، مات فجأة ولم يترك وراءه خليفة لتولى السلطة، فبادر الجيش إلى ملء الفراغ للمحافظة على الأمن وتأمين الاستقرار.. كان ذلك قبل ثلاثة آلاف عام.

وهناك حادث مشابه آخر. فعندما قتلت (أو انتحرت) كليوباترا فى العام 30 قبل الميلاد، تركت فراغا فى قيادة الدولة، سارع الجيش أيضا إلى ملئه وإلى إدارة الشئون العامة.

وفى اعتقاد الدكتور ويلكنسون ان المصريين القدماء هم أول من ابتكر ومارس فكرة الدولة الأمة.

وذلك من خلال توظيف ثلاثة عوامل معا من شأنها أن تجمع الشعب حول السلطة. وهذه العوامل هى الدين والجيش والانتماء.

فقد كانت الاحتفالات الدينية والاستعراضات العسكرية تغذى الشعور بالانتماء وتعززه.

وهذا ما تواجهه مصر اليوم أيضا بعد الرئيس السابق حسنى مبارك. كذلك كان جهاز الأمن يلعب دورا رئيسا فى تركيب قواعد هذه العوامل الثلاثة. حدث ذلك فى عهد توت عنخ آمون، وحصل فى عهد الملك فاروق، وفى عهد عبدالناصر، ثم فى عهدى أنور السادات وحسنى مبارك.

وهناك عامل آخر قديم ــ جديد أيضا. فمصر بحكم جغرافيتها المنبسطة كانت ولم تزل صحراء مفتوحة فى الجنوب، يجرى عبرها نهر النيل إلى المتوسط. وكانت هذه الجغرافيا تشكل منطقة جذب وإغراء للتدخل الخارجى، وذلك لاستغلال موقعها المميز بين آسيا وافريقيا.

وربما كان هذا الواقع أحد العوامل التى شجعت عمرو بن العاص فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب على فتح مصر. طبعا كانت هناك أسباب مشجعة عديدة أخرى، فى مقدمها حمل الدعوة الاسلامية، ومنها كذلك توظيف اضطهاد البيزنطيين للأقباط المصريين فى عملية تسهيل الفتح. ولذلك بادر ابن العاص إلى بناء كنيسة قبطية إلى جانب المسجد الأول فى مصر الذى بناه فى ضاحية القاهرة والذى لايزال حتى اليوم يحمل اسمه. كما ان الكنيسة لا تزال قائمة حتى اليوم أيضا.

ولا شك فى ان قناة السويس زادت كثيرا من أهمية هذا الموقع الجغرافى ومن الصراع عليه فى الوقت ذاته. وكان المصريون القدماء يمارسون مبدأ الهجوم أساسا للدفاع عن وطنهم. فكانت لهم قوى عسكرية متطورة وقوية عرفت بشدة بأسها وحتى بفظاعة العمليات العسكرية التى كانت تقوم بها. من ذلك مثلا المعركة التى خاضها الفرعون رمسيس الثانى فى قادش، أو تلك التى خاضها الفرعون تحتمس الثالث فى ماجيدو.

فالهجوم العكسرى، كما الانتصار العكسرى، كان يوظف فى تعزيز الانتماء للوطن وللفرعون.

عرفت مصر هذه الظاهرة فى عام 1973 عندما عبرت قواتها قناة السويس وطاردت فلول القوات الاسرائيلية فى سيناء إلى أن جرى الالتفاف على القوات المصرية بفضل الجسر الجوى الأمريكى لإسرائيل ومن ثم محاصرة القوات المصرية فى الكيلو 101 على طريق القاهرة ــ السويس.

كما عرفت مصر أنواعا من التدخل الخارجى استغلالا لموقعها الجغرافى قبل شق قناة السويس وبعدها. وآخر عملية تدخل خارجى كانت فى عام 1956 عندما قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل باجتياح مصر بحجة تعطيل قرارات تأميم القناة. وحتى معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية التى أبرمها الرئيس أنور السادات فى كامب دافيد فى عام 1979 قضت بفرض قيود على انتشار الجيش المصرى فى سيناء وعلى طول الحدود مع اسرائيل. ولا تزال هذه القيود ملزمة حتى اليوم.

من هنا كان الجيش المصرى على مدى التاريخ يلعب دورا رئيسا فى صناعة مستقبل الدولة، سواء لجهة التصدى للأطماع وللتدخلات الخارجية، أو لجهة تعزيز الانتماء الوطنى على قاعدة الالتفاف حول الفرعون ــ الملك أو الرئيس!!

ولقد أدى الجيش المصرى هذا الدور فى عهد الرئيس حسنى مبارك طوال العقود الثلاثة الماضية. وحاول الجيش أن يؤديه أيضا خلال الانتفاضة الثورية التى أطاحت بالرئيس السابق، وهو يحاول الآن أن يلعبه من خلال رعاية مرحلة الانتقال إلى الجمهورية الجديدة. وتتمثل هذه المرحلة فى:
ـــ تعديل الدستور

ــــ إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

ــــ إجراء انتخاب رئيس جديد للدولة.

وخلافا للبعد التاريخى لدور الجيش المصرى فى الحياة العامة، فان مرحلة ما بعد الانتفاضة الثورية باتت تحتم عليه أن يواصل أداء هذا الدور ولكن بصورة تتماشى مع مقتضيات المتغيرات التى يفرضها النظام الديمقراطى الليبرالى الحر التى قامت الثورة أساسا من أجله.

وإدراكا من الجيش المصرى لحساسية هذه المقتضيات، فقد رفض الاستجابة ــ تحت ذريعة الحاجة إلى استقرار الأوضاع الداخلية بعد اقصاء الرئيس حسنى مبارك ــ لطلبات تمديد فترة توليه السلطة المؤقتة ستة أشهر.

فقد تعهد الجيش بالإشراف على المرحلة الانتقالية على أن لا تتعدى ستة اشهر فقط. ولكن هناك قوى سياسية وحزبية حتى من داخل الحكومة الجديدة ذاتها تطالب بتمديد هذه المرحلة ستة أشهر اضافية لتسهيل اقرار كل الاصلاحات.

غير ان الجيش أبدى خشية من أن يساء تفسير استجابته لهذه المطالب أيا تكن مبرراتها، بما يوحى بأنها تعكس رغبته فى ممارسة السلطة، وهو ما لا يريده، ليس تعففا فقط، ولكن استخلاصا لدروس سقوط ــ أو إسقاط ــ الرئيس السابق حسنى مبارك.

ومن خلال ذلك يستطيع الجيش المصرى الآن أن يمارس دوره التاريخى فى تعزيز الانتماء الوطنى بموجب المعادلات الجديدة. فبعد أن كانت الممارسة فى السابق عبر الفرعون ولحسابه، أصبحت الآن عبر الشعب المصرى ولحسابه.

كان الانتماء الوطنى يتجسد من خلال الولاء للفرعون (وللرئيس)، أما اليوم فإن الانتماء الوطنى يتجسد من خلال ولاء الرئيس للشعب المصرى. كان الفرعون فى السابق يعزز سلطته ويخلد اسمه من خلال الصروح التى يقوم ببنائها سواء كانت اهرامات أو تماثيل أو معابد. أما اليوم فان الانجازات الاجتماعية والثقافية والانمائية هى التى تخلد الرئيس وتعزز احترامه والولاء له.

لقد تغيرت مصر بعد الانتفاضة الثورية، وهى تحتاج إلى تكريس هذا التغيير والى تثبيت أركانه. وهذه عملية لا تقل صعوبة عن الانتفاضة الثورية ذاتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved