هل هذا وقت دستور دائم؟
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الأربعاء 18 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
المرحلة الانتقالية التى كان ينبغى أن تكون 6 شهور لإخراج المجلس العسكرى من التنافس السياسى والإدارة اليومية لشئون الدولة تعقبها سنة من أجل كتابة الدستور تحولت بفضل عبث العابثين إلى مأزق إنجاز الدستور إما خلال شهرين وثلاثة عشر يوما أو إلى تكرار تجارب الدول التى ظنت أنها ستنجزه فى عدة أشهر لتتحول إلى عدة سنوات من عدم الاستقرار والفوضى. والآن السؤال القادم: هل الدستور يمكن أن يعد قبل انتهاء هذا التاريخ؟ ممكن وغير ممكن فى نفس الوقت.
من الناحية الموضوعية ممكن لو أدركنا استحقاقات اللحظة والوضع الاقتصادى والسياسى والاجتماعى السيئ الذى نواجهه وحاجتنا السريعة لوقف هذا التدهور الذى ينهش فينا فى صمت كما يفعل السرطان فى ضحيته. ولكنه مستحيل فى مناخ المراهقة السياسية الذى يعيشه أهل الاستقطاب والتصيد والترصد حيث إن هؤلاء ما إن يقترح منافسهم اقتراحا حتى ينبروا لرفضه لأنه جاء من منافسهم وبالتالى إذن هو بالضرورة أمر دُبر بليل. بعبارة أخرى، لقد سمعت بأذنى وفى اجتماعات عدة من بعض القوى الليبرالية واليسارية حديثا عن حتمية وجود دستور قبل الرئيس. وبعد أن جاء نفس الكلام من المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ يومين انبرى بعض زعماء هذه القوى للنيل من الفكرة لأنه يعنى محاولة «سلق دستور» و«رغبة من المجلس الأعلى أن يضمن له وضعا خاصا فيه». وهكذا من حجج لا أعرف مدى صحتها إلا أنها تخوفات قد تكون صحيحة أو غير صحيحة.
هل ممكن أن يأتى الرئيس الجديد فى ظل فراغ دستورى؟ ولأننا بلد الفوضى، كل شىء ممكن. ولكن هل هذا فيه خير البلاد والعباد، على ما أظن لا. لكن من يعبأ برأى أحد غير نفسه. «دعه يكتب، دعه يقول، دعه يمر».
المهم، كتبت من قبل أننا بحاجة لأن نفكر جديا فى أن يكون دستورنا القادم مؤقتا لمدة طويلة نسبيا. إذن هو (مؤقت) لمدة عشر سنوات (أو ربما أقل) لتحقيق عدة أهداف.
أولا: مناخ الاستقطاب الذى يصل إلى استخدام لغة التصعيد والإقصاء تجعل الدستور القادم أقرب إلى ساحة للنزاع والصراع، رغما عن أن المطلوب منه أن يكون خطوة فى طريق بناء الثقة بين الأطراف المختلفة.
ثانيا، الانحراف عن خريطة الطريق، حتى ولو زمنيا، تجعل عملية كتابة الدستور وكأنها جزء من مؤامرة وصراع إرادات طائشة بين متآمرين وليس شركاء فى وطن، كلهم منزعجون على مستقبل البلاد الذى يصبح مرهونا بمن الذين سيكتبون الدستور، ومن الذين سيختارونهم، وما الذى سينتهون إليه.
ثالثا، احتقان النخبة وانفصالها عن الشارع ليس مناخا صحيا لكتابة دستور دائم لاسيما بعد أن بدا واضحا أن قطاعا من النخبة المثقفة كلما وجدت نفسها فى موقع الأقلية المغلوبة رغما عن منطقية ما تطرحه من أفكار فهى تنزع إلى إشاعة الذعر فى المجتمع. وفى ظل هذه الحرب الأهلية السياسية فسيكون من الصعب الحديث عن توافق.
رابعا، لابد من مساحة زمنية كى يهدأ الغبار من الجو، ولاستقرار النفوس، ولقط الأنفاس، والتركيز على مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية الملحة وإعطاء فرصة لعمل مؤسسات الدولة لمدة 10 سنوات (أو أقل) كى نختبر كفاءتها، مع جولتين جديدتين من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، قبل الوصول إلى دستور مصر القادم.
إذن وليكن دستورنا القادم مؤقتا ومشروطا بعشر سنوات (أو ربما أقل) ولنعط لأنفسنا فرصة العبور من هذه اللحظة الصعبة ثم نعود إلى ما هو دائم حين نكون مستعدين له. شىء من الواقعية وإنكار الذات يمكن أن يكون نقطة البداية فى إنقاذ الوطن.