فى رثاء التعليم
أحمد يوسف أحمد
آخر تحديث:
الخميس 17 أبريل 2014 - 7:45 ص
بتوقيت القاهرة
أعتذر للقارئ الكريم عن معاودة الكتابة فى هذا الموضوع المهم بعد مرور أقل من شهرين على مقالى الأول فى الموضوع بعنوان «ماذا يبقى من التعليم؟» (الشروق 27/02/2014) تعليقا على مد إجازة منتصف العام الدراسى أسبوعين آخرين بحيث لا تستأنف الدراسة قبل الثامن من مارس. ناقشت التداعيات السلبية لهذا القرار على العملية التعليمية وكيف تمت مواجهتها بقرار أسوأ وهو الحذف من المناهج الدراسية وقرار إيجابى بمد الفصل الدراسى زمنيا وتقليص الإجازات بما يبقى زمن الدراسة على ما كان عليه، لكننى فى ليل الأحد الماضى قرأت ما أشعرنى أننا تعرضنا لخديعة وسبب لى اكتئابا شديدا. كان مضمون ما قرأت أن امتحانات الفصل الدراسى الثانى فى الجامعات سوف تبدأ فى الثالث من مايو القادم! أى أن الفصل الدراسى سوف يمتد زمنيا لستة أسابيع فقط: ثلاثة من مارس ومثلها من أبريل لأن الطلاب لا يمكن أن يرضوا بأقل من أسبوع تتوقف فيه الدراسة قبل انعقاد الامتحانات يتمون فيه استعدادهم للامتحانات، وبالمناسبة فإن الطلاب سوف يمتحنون فيما درسوه فقط، وهل يمكن أن يحدث غير ذلك؟ تساءلت بجزع حقيقى: ما الذى يمكن أن يدرس فى ستة أسابيع بحيث يتزود الطالب خلال هذه المدة الخاطفة بما كان واجبا أن يتزود به فى فصل دراسى حقيقى؟ قد يستطيع الأستاذ فى الكليات النظرية أن يوجه طلابه إلى الاطلاع على مراجع بعينها لتعويضهم عما فاتهم من موضوعات ولكن ماذا يفعل الأستاذ فى الكليات العلمية والعملية كالهندسة أو الطب؟ وهل يمكن لطالب أن يكون مهندسا أو طبيبا بطريقة الحذف؟
•••
حملت اكتئابى إلى طلابى فى محاضرتى فى اليوم التالى فقلت لهم بإيجاز شديد أننى أعيش حالة من الاكتئاب الذى أرجو ألا يلازمنى طويلا لأننى فقدت الأمل فى أن يكون لدينا تعليم جيد، وطلبت منهم إن استشيروا يوما أو بادروا أن يصروا على حقهم وحق أبنائهم من بعدهم فى تعليم جيد. خفف من اكتئابى أننى لمحت فى وجوههم تعاطفا مطلقا مع ما أقول وتجهما حقيقيا مما يجرى. منذ سنوات ليست بالكثيرة كان أكثر الأساتذة شعبية هو من ينهى دروسه مبكرا ويتخم طلابه بالمحذوف من المقرر وكانت أكف الطلاب تلتهب بالتصفيق لهذه النوعية من الأساتذة، أما الآن فقد تكسرت النصال على النصال وبات الطلاب لا ريب قلقين على مستقبلهم ومستواهم التعليمى الذى هو سلاح رئيسى فى معركة هذا المستقبل، وبما أن طلابى فى السنة الرابعة فإنهم أول دفعة تلقت تعليمها بالكامل فى سنوات الاضطراب التى لازمت ثورة يناير. عدت إلى المنزل وشعور الاكتئاب مازال يلازمنى والتفكير فى مستقبل وطن لا يحصل أبناؤه على تعليم جيد يقض مضجعى خاصة وقد كان يوم محاضرتى يوما من أيام الإرهاب الخائن الذى لا يفرق بين صراع سياسى وبين تدمير وطن، فقد كانت فلول الإرهاب تمارس إرهابها خارج ساحة الجامعة وكانت قوات الأمن تواجهها باستخدام مكثف لقنابل الغاز فيما كان آلاف من الطلاب الباحثين عن العلم بين أسوار الجامعة يهرولون فى الاتجاه المعاكس طلبا للأمان. فى الليل طلبت زميلى وصديقى العزيز رئيس مجلس قسم العلوم السياسية لأعرف أكثر عن الحقيقة فعرفت منه أن الخبر الذى ساءنى صحيح: تبدأ امتحانات الفصل الدراسى الثانى فى الثالث من مايو لكن الكليات غير ملزمة بهذا التوقيت بدقة وإنما هى ملزمة بتوقف الدراسة قبل الانتخابات الرئاسية، وبإنهاء كل ما يتعلق بالامتحانات فى أواخر يونيو، وبالتالى فإن الدراسة فى كليتنا مستمرة حتى 20 مايو وتعقد الامتحانات فى الأول من يونيو فيما اضطرت الكليات العملية إلى الالتزام ببدء امتحاناتها الشفوية والعملية فى الثالث من مايو فعلا. هدأت نفسى قليلا لأن كليتى لم تقع فى الفخ تماما وإن استمر قلقى الشديد على الكليات العملية.
•••
لابد أن ما يحدث من استخفاف بالتعليم له علاقة بالحالة الامنية عامة وفى الجامعات بصفة خاصة لكن الدراسة كانت تتم فى هذه الظروف الامنية المضطربة بوتيرة معقولة، وكان من شأن ذلك أن يثبت عجز الإرهاب الذى يريد أن يقوض الدولة، فهى عاجزة عن تأمين مواطنيها وعن تعليمهم والبقية تأتى، أما وقف الدراسة بمناسبة وبدون مناسبة فهو خير دليل على انتصار الإرهاب فى هذا المجال، مع أنهم باتوا قلة محدودة العدد مقارنة بمئات الألوف من الطلاب، وبالمناسبة فإن الإعلام لا يركز على هذا التراجع العددى كما ينبغى وإنما يركز فقط على زيادة إجرام الإرهابيين. لا تتحمل الشرطة وحدها مسئولية الإخفاق فى وضع حد للعمليات الإرهابية، فالإرهاب سهل لأنك تزرع قنبلة فى أى مكان وتوجه سلاحا لصدر أى جندى أو ضابط عشوائيا وتحرق سيارة أو أكثر لجهاز الشرطة أو أفراده، لكن أسلوب الشرطة فى المواجهة يبدو روتينيا، وقد كتب الطبيب البارز الأستاذ الدكتور صلاح الغزالى حرب منذ أيام فى صحيفة «المصرى اليوم» مقالة جديرة بأن يقرأها كل من يعنيه الأمر عن أساليب مواجهة الإرهاب، كما أن السياسة الإعلامية لوزارة الداخلية غير كافية أو فعالة، فهى تتعرض لهجوم حاد فى مواجهتها الإرهاب من قبل عناصر وفئات محددة، وعلى الوزارة أن تسعى لبناء الثقة مع جمهور مؤيديها قبل معارضيها فتبادر بفتح السجون لمنظمات حقوق الإنسان للاطلاع بنفسها على أحوال المعتقلين وتصدر تقارير منتظمة عن نتائج التحقيقات الأولية مع المعتقلين وتبرز الإفراج عمن لا توجد مؤشرات على إدانته. من ناحية أخرى لا يجب بحال أن تكون المواجهة أمنية فقط وعلى اتحادات الطلاب المنتخبة ديمقراطيا أن تلعب دورا فى التوعية والحوار مع المتعاطفين مع الإرهاب والإقناع بأن دور الشرطة بات ضروريا فى صد إرهاب الجامعات عنفا وتدميرا دون أن يكون لها أى دور آخر يتجاوز ذلك والمبادرة بأى أفكار بناءة فى المواجهة وتقديم الأدلة الكافية على براءة بعض المعتقلين.
فهل يقوم كل منا بدوره فى هذه المواجهة المصيرية أم نتهيأ جميعا لتشييع التعليم إلى مثواه الأخير؟