عن لحظات الفرز وأوهام تراجع لم يحدث (3)
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 17 أبريل 2015 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
خلال الأشهر الماضية مثل تصاعد وتائر الإجرام الإرهابى فى سيناء وفى أماكن أخرى، والتحديات الأمنية الكثيرة التى تفرضها على مصر الأوضاع الإقليمية خاصة فى الجوار الليبى (وهى لم تبدأ مع جريمة القتل البشع للمواطنين المصريين المسيحيين على يد عصابات الإرهاب)، وتواصل الدوائر اللعينة للعنف الأهلى ولانتهاكات الحقوق والحريات، وترويج أوساط إخوانية وأوساط أخرى فى اليمين الدينى لمقولات تبريرية فاسدة للعنف تدعى النقاء الثورى والالتزام الديمقراطى والفكرتين الثورية والديمقراطية منها براء، وتكون حركات «معارضة» فى الخارج تتجاهل حقائق تاريخ وجغرافية مصر وطبيعة مجتمعها الذى أبدا لم ولن يعترف بشرعية «العمل السياسى من الخارج» وتستخف بالتداعيات الكارثية المحتملة لانهيارات جديدة تطول المجتمع والدولة؛ مثل كل ذلك لحظة فرز إضافية وممتدة للحركة الديمقراطية فى مصر كان محتما إزاءها أن تحسم هنا أيضا اختياراتها الكبرى بمبدئية ونزاهة أخلاقية والتزام بصالح المواطن والمجتمع والدولة الوطنية.
لم يكن أمام الحركة الديمقراطية غير التضامن الكامل مع ضحايا الإجرام الإرهابى من المنتمين للقوات المسلحة والشرطة ومن المواطنين، والإدانة الشاملة للإرهاب والعنف، والمطالبة بمواجهة الشرين بأدوات عسكرية وأمنية وتنموية دون عصف بسيادة القانون أو تورط فى إجراءات عقاب جماعى أو تجاهل لأخطار قابلية بعض البيئات المجتمعية لفعل عصابات الإرهاب والعنف بسبب تراكم المظالم. لم يكن أمام الحركة الديمقراطية غير إدانة الدوائر اللعينة للعنف الأهلى ولتورط مؤسسات وأجهزة الدولة فى انتهاكات الحقوق والحريات، ورفض التداعيات الكارثية التى ينزلانها بالمواطن والمجتمع والدولة الوطنية، والمطالبة بتفعيل إجراءات المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر عن كل الضحايا دون تمييز، والسماح لرواية «ضحايا الانتهاكات» (ضحايا فض الاعتصامات والمسيرات والتظاهرات وضحايا القمع والمظالم) بالتبلور فى المجال العام وإن على هوامش «الرواية الرسمية» الطاغية. لم يكن أمام الحركة الديمقراطية غير جر الخطوط الفاصلة بين قيمها ومبادئها وبين المقولات التبريرية الفاسدة للإرهاب وللعنف التى ينبغى تفكيكها ونبذها، بينها وبين أوهام المعارضة من الخارج، وليس من سبيل واقعى لجر هذه الخطوط الفاصلة سوى بالاشتباك السلمى من داخل مصر لاستعادة مسار تحول ديمقراطى لا يتنكر لإطارات المشروعية القانونية التى اكتسبها الحكم / السلطة بعد الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية ويمتنع عن تعريض المواطن والمجتمع والدولة لانهيارات جديدة عبر أحاديث إسقاط النظام.
كما فى لحظات الفرز الأخرى، لم تحمل حتمية أن تحسم الحركة الديمقراطية اختياراتها الكبرى باتجاه الاشتباك السلمى لاستعادة مسار تحول ديمقراطى (والمزج بينه وبين احترام المشروعية القانونية للحكم / السلطة وحالة القبول الشعبى التى يتمتع بها، وبينه وبين صياغة مسارات تنموية تتفاعل بجدية مع هموم الناس الاقتصادية والاجتماعية وظروفهم المعيشية) أبدا شبهة تراجع دعاتها عن مواقفهم المبدئية المدافعة عن سيادة القانون والحقوق والحريات ورفضهم للسلطوية الجديدة التى يؤسس لها اليوم.
بل، وعلى النقيض من ذلك تماما، عبرت قدرة الحركة الديمقراطية على حسم الاختيارات عن سلوك مبدئى ونزاهة أخلاقية والتزام بصالح المواطن والمجتمع والدولة الوطنية رتب، تماما كما فى لحظات الفرز الأخرى منذ 2013، تشجيع البعض على الإنصات مجددا لخطاب وأفكار دعاة الديمقراطية بينما باعد بينهم وبين البعض الآخر من منكرى نتائج الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية، من رافضى الاعتراف بحضور قطاعات شعبية مؤيدة للحكم / السلطة على الرغم من طبيعته غير الديمقراطية، من أنصار «ممانعة» و«مقاطعة» هما إلى اللافعل أقرب منها إلى الفعل حتى فيما خص الدفاع عن الحقوق والحريات، من مستسيغى الصمت الكارثى على التبرير الفاسد للإرهاب وللعنف وتجاهل التداعيات الكارثية المحتملة لانهيارات جديدة.
• لم تخسر الحركة الديمقراطية المصرية من لحظات الفرز المتتالية التى مرت بها، ولم يكن فى حسمها لاختياراتها الكبرى شبهة تراجع عن قيم ومبادئها الأساسية.
> غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.