تطور مقلق لظاهرة خطرة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 17 أبريل 2019 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
شيئا فشيئا تتبلور ظاهرة سياسية عربية، فكرا وممارسة وتناغما مع شتى مؤامرات أعداء الأمة العربية، لتشكل عائقا خطرا أمام العمل القومى العربى المشترك.
وهى ظاهرة يوجدها وينميها توافر ثلاثة عوامل. العامل الأول هو وجود ثروة ريعية فائضة تتركز فى يد أقلية لا تخضع للمساءلة والمحاسبة، وتستعمل باستخفاف عبثى تبذيرى فى الصراعات السياسية.
العامل الثانى هو تدنى مستوى المعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية فى الحكم على الأمور السياسية، الأمر الذى يؤدى إلى عدم إعطاء أهمية كافية للالتزامات الوطنية والقومية العليا المشتركة.
أما العامل الثالث فهو الاستعداد، بقصد أو بدون قصد، للعب دور الوكيل الوظيفى نيابة عن أو فى خدمة هذه الدولة الأجنبية أو تلك الاستعمارية على المستويين الإقليمى والدولى.
تداخل تلك العوامل يجعلها ظاهرة مركبة، غامضة، مليئة بالتناقضات، مغطاة بألف قناع وقناع، تخفى فى كثير من الأحيان أهدافا لا تمت بصلة لأى أهداف وطنية أو قومية أو إنسانية، أهداف تتلخص فى خدمة مستقبل وطموحات هذا المسئول أو أوهام وجهالة تلك المجموعة. إنها، بلا مبالغة، ظاهرة لديها قدرات هائلة على التفنن فى ممارسة المفاجآت الجنونية العنيفة المبتذلة التى، فى جوهرها، تتنكر للانتماء لهذه الأمة ولهوية العروبة ولروح الإسلام.
إنها ظاهرة توجد بنسب متفاوته فى وطننا العربى، لكنها تتمظهر بأجلى صورها فى بعض دول الخليج العربى، حيث توجد جهات أو جماعات قابلة لممارسة هذه الظاهرة، بكل ما فيها من أخطاء ومصائب وفواجع، لأسباب تدعى أنها مبررة وكافية لإدخال مجتمعاتها وأمتها العربية فى أتون جحيم تلك الظاهرة.
المفجع فى الأمر أنه كان من المؤمل ومن الثوابت القومية أن تكون الثروة البترولية والغازية الهائلة لدى البعض مصدر عون وتعاضد مسئول للأمة العربية لمساعدتها فى نهوضها الحضارى وتحقيق التنمية المستدامة. لكن بدلا من ذلك نجح البعض فى جعلها مصدر تغذية لتلك الظاهرة وتفعيلها فى هذا القطر العربى أو ذاك. وبدلا من جعل تلك الثروة ماء رقراقا يطفئ حرائق أرض العرب أحالها البعض إلى حطب يزيد تلك الحرائق اشتعالا.
وهكذا أضاع البعض المليارات على نشر فكر فقهى إسلامى متزمت متخلف تكفيرى عنفى من نتاج أوهام مؤسس تلك المدرسة الفقهية، أو من أكاذيب ذاك الدعى المدرب المدسوس من قبل الاستخبارات الأميركية والصهيونية، والذى نصبته خليفة على المسلمين.
وكنتيجة طبيعية صرف ذلك البعض المليارات على تجييش وتدريب وتسليح وتمويل الإرهابيين من مجانين الخيالات والأوهام والشعارات الدينية التى شوهت روح الدين الإسلامى ومارست باسمه، ما ليس فيه وما يتعارض مع سماحته وعدله، جرائم القتل والاغتصاب وحرق الأرض العربية ومن عليها.
ومن وراء أقنعة مكيافيلية مجسدة للنفاق صرف ذلك البعض المليارات على ادعاءات تلفيقية بأنهم يمارسون تلك الظاهرة من أجل هدف نبيل، وهو نقل هذا القطر العربى أو ذاك إلى واحة الديمقراطية والكرامة الإنسانية. هذا بينما يعرف القاصى والدانى أن تللك الجهات لا تؤمن بالديمقراطية ولا تمارسها.
لكن حاملى لواء تلك الظاهرة انتقلوا الآن إلى تسخير العوامل الثلاثة تلك لممارسة اللعب العبثى بقضية العرب الوجودية المقدسة: الصراع العربى الصهيونى فوق أرض فلسطين.
ويظهر أن الثروات البترولية التى لعبت بتوازن البعض، وتراجع القيم فى الحياة السياسية العربية، والضغوط والابتزازات الخارجية قادت البعض للاعتقاد بأنهم يستطيعون التعامل مع فلسطين وكأنها ضيعة من أملاكهم ومع الشعب الفلسطينى وكأنه جزء من رعايا تابعين لهم ويأتمرون بأوامرهم.
من هنا تحمس هؤلاء لموجات متتالية من شتى أنواع التطبيع مع العدو الصهيونى، بما فيها اللقاءات الحميمة مع عتاة الإجرام الصهيونى لبحث صفقة صهيونية أمريكية وضعها تاجر عقارات يعتقد بأن الأوطان قابلة للبيع والشراء، تماما مثل عقاراته.
وتصل تلك الظاهرة إلى قمة عبثيتها بالمناداة العلنية بضرورة تقديم العرب الضحية ضمانات لتبديد مخاوف الصهيونى المحتل السجان القاتل.. طمأنة كيان يمتلك عشرات القنابل الذرية وكل أنواع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية المميتة، وتتوافر فى خدمته القوة العسكرية والسياسية والمالية الأمريكية.
نعم، يمارس أصحاب تلك الظاهرة مثل هذا العمى السياسى المفجع بالنسبة لمأساة قومية وجودية، مأساة فلسطين العربية.
لنطرح الأسئلة التالية: هل ستقود تلك الظاهرة إلى إخراج العرب من ضعفهم وانقساماتهم والدمار الهائل الذى تعيشه بعض أقطارهم؟ بالطبع «لا» إنها لن تفعل.
هل ستبعد تلك الظاهرة التدخلات السافرة فى كل شئونهم، من قبل بعض الدول الإقليمية والكيان الصهيونى والولايات المتحدة الأميركية؟ بالطبع «لا» إنها لن تفعل.
هذه الظاهرة من الفوضى والجهالة والعبث السياسى يجب أن تتوقف، قبل أن تحرق نتائج ممارساتها الأخضر واليابس فى وطن العرب. عند ذاك لن يفيدنا الندم ولا البكائيات.
إن كشف أخطاء ومخاطر تلك الظاهرة الجنونية أصبح مسئولية تاريخية، إذ أن التعامل معها بغمغمة واستحياء سيقود إلى كوارث.