في زمن العزل الكبير: الفتوى.. لمقاومة العدوى
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 17 أبريل 2020 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
يواجه العالم بأسره محنة لم يسبق أن سجل تاريخ البشرية مثيلا لها على مر أيامه من عمر الكرة الأرضية وحياة الإنسان، عرف العالم أزمات اقتصادية معها توقفت عجلة الحياة مثل «الكساد الكبير» فى الثلاثينيات، و«الركود الكبير» فى ٢٠٠٩، أما أزمة تفشى عدوى الكورونا ٢٠٢٠، فقد بدأ يتردد وصفها الفريد «العزل الكبير» بعدما أرغمت أربعين بالمائة من سكان العالم على البقاء فى منازلهم فى محاولة لحصار العدوى التى انتشرت كالنار فى الهشيم، فلم تُستثن دولة أو تراع حدود إقليمية. ظهر هذا المسمى وانتشر بعد أن جاء على لسان كبيرة اقتصاديى صندوق النقد الدولى منذ أيام قليلة خلال كشفها لتوقعات الصندوق للاقتصاد العالمى، فجاءت التسمية مطابقة لوقائع وتداعيات الاقتصاد على أثر تفشى الوباء فى العالم، ومن ثم انطلقت التسمية وتداولتها وسائل الإعلام كافة.
فى زمن «العزل الكبير» لن يشهد العالم تداعيات اقتصادية فحسب، إنما أيضا يشهد الآن تداعيات اجتماعية لا تقل خطورة عن تلك الاقتصادية. للمرة الأولى تضطرنا ظروف مكافحة الوباء إلى إغلاق دور العبادة لتمارس الطقوس فى منازلنا وتشهد مصر أياما تخلو فيها شوارعها فى يوم الفسحة الأشهر «شم النسيم» وحدائقها ومتنزهاتها ونيلها من رواد ينتظرون لحظات من البهجة لا تتكرر فى أيام السنة إلا مرة واحدة! أيضا تغيب كل تلك المظاهر المحببة لشهر الصوم الكريم فلا تزاور ولا عزائم ولا موائد تقام للرحمن ولا تراويح أو انطلاق للأطفال بعد الإفطار للعب فى الحارات الشعبية فى ضوء الفوانيس الملونة.
هو إذن «العزل الكبير» ليكن عزلا إجباريا لكنه «الاختيار» الأكبر رشدا الذى يقدمه العلم فى مواجهة وباء يهدد العالم بالفناء، فأجدى بنا أن نحتمله هذا العام وأن نتحايل على تقبله بكل ما نملك من وسائل حتى يبدو لنا «اختيار» ينبع من ذواتنا نتقبله فى صبر محتسبين حتى يمر الإعصار بسلام إن شاء الله.
كان الرد الحاسم السريع لفضيلة الإمام الشيخ الطيب مثلا يحتذى فى ضرورة وأد الفتنة التى كادت تحدث حينما تجرأ جمع من أهالى «شبرا البهو» على جلال الموت حينما تسلحوا بجهلهم فى محاولة لدفع أسرة لدفن ابنتهم المتوفاة فى مقابر أسرتها خشية انتشار العدوى تصادف أن كانت رحمها الله طبيبة. فى لحظات نسجت القصص الخيالية وراجت الإشاعات، منهم من جعلها طبيبة مكافحة للعدوى لذا فهى مصدر لها وفى سرعة البحث عن خبر نشر الإعلام لها صورة استبدلت بصورة طبيبة أخرى لها منزلة علمية عظيمة فقد كانت عميدا لكلية طب المنصورة. كاد الأمر بالفعل يتحول إلى فتنة كبرى فعلت الأصوات تؤكد أن ما حدث رد فعل للكراهية المتبادلة بين الأطباء والناس. ما حدث كان جريمة أخلاقية مردها الجهل فلو كانت رحمها الله مدرسة على سبيل المثال ومريضة بفيروس كورونا، هل كان هناك تفسير يحدث فى سلوك الجهلة من المعترضين؟
شئنا أم أبينا التغيير قادم ليطال كل مناحى حياتنا بعد أن اجتاحها الوباء فلنا أن نستعد لاستيعابه وقبوله بالصورة التى تضمن لنا تطويعه. ما زلنا على خط المواجهة: هدفنا الأول الآن هو كسر حلقة العدوى التى تحاصرنا من كل الجهات.
لا أدعى الإمامة وحظى بين العلوم الشرعية على اجتهادى يسير لذا من واقع تجربة عملى كطبيبة فأعرض اليوم أمرا على الضمير الوطنى للمجتمع المصرى الذى ساند الطبيبة المتوفاة رحمها الله وأفسح لها مكانا فى قلوبنا لتدفن فيه وشيعها شهيدة فى سبيل الله.
هل من حقنا أن نرجو فضيلة مفتى الديار المصرية فى صياغة فتوى تجيز دفن المتوفى نتيجة لعدوى فيروس الكورونا على حاله وبملابسه كما يعامل الشهيد فى سبيل الله ما دون غسل؟
لم تقصر وزارة الصحة فى إصدار تعليمات وافية بشأن تغسيل متوفى الكورونا تشتمل تفاصيل ما يرتديه من يقوم بالتغسيل من ملابس واقية وكل ما يجب عمله إلى أن توضع الجثة فى كيس من البلاستيك القوى الذى لا تنفذ منه السوائل وإغلاقه جيدا.
أيضا أعلنت الصحة العالمية أن المتوفى لا ينقل العدوى لكن معاملة المتوفى معاملة الشهيد فى مراسم دفنه تدفع فى الواقع أخطار انتشار عدوى بصور قد تحدث إذا ما حدث أى خطأ إنسانى لا قدر الله من دون قصد.
أرجو أن أجد المساندة فى إصدار الفتوى التى تتيح لنا إجازة دفن جثة من رحمه الله متأثرا بعدوى الكورونا على نهج ما يلقاه الشهيد، ففى هذا تكريم للمتوفى ووقاية أكبر لمجتمعه.
أقول هذا وأستغفر الله سبحانه وكفانى حسن القصد.