رحلة «أرامكو».. وسياسة الدولة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 17 مايو 2023 - 8:47 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى، شرح فيه دور النفط فى اقتصاد المملكة، وسياسة الدولة لتحويل «أرامكو الأمريكية» إلى «أرامكو السعودية»، وذلك كما جاء فى كتاب «إشكالية التنمية وثروة النفط فى الاقتصاد السعودى» للاقتصادى السعودى الدكتور ماجد عبدالله المنيف... نعرض من المقال ما يلى:
توسعت صناعة النفط فى السعودية، احتياطا وإنتاجا وتسويقا، والتى هيمن عليها فى فترة التأسيس الشركات الأمريكية صاحبة الامتياز. فاشترت «تكساكو» عام 1938 (سنة بدء الإنتاج السعودى) حصة من «سوكال» صاحبة الامتياز، وكوّنا معا تحالف «أرامكو». وتم لاحقا توسيع التحالف إلى «رباعى أرامكو» ببيع حصص لشركتى «إكسون» و«موبيل»، انقسمت على أثره ملكية الشركة إلى ثلاث حصص نسبة كل منها 30 فى المائة لـ«سوكال» و«تكساكو» و«إكسون»، وحصة بنسبة 10 فى المائة لـ«موبيل». واستمرت هذه الشراكة والحصص حتى بداية عقد السبعينيات.
منحت الحكومة فى 1949 شركة «جيتى أويل» الأمريكية المستقلة، حقوق التنقيب عن النفط فى جزء من المنطقة المحايدة المقسومة بين المملكة والكويت. وتضمن هذا الامتياز «شروطا مالية وتشغيلية أفضل بكثير مما تضمنه امتياز (أرامكو) الأكبر حجما؛ مما أوضح أن إيرادات الحكومة النفطية المحددة فى ترتيبات امتياز (أرامكو) لم تكن منصفة».
وحول توازن القوى بين الدولة و«أرامكو»، يشير المنيف إلى أنه «رغم أن العلاقات العدائية مع الشركات حاملة الامتيازات كانت تُعدّ فى بعض الدول المصدّرة للنفط بعد الحرب العالمية الثانية جزءا من شرعية الأنظمة الحاكمة، فإن علاقة الشركة حاملة الامتياز بالمملكة كانت، على النقيض من ذلك، أقل تسييسا ولا تشكل جزءا من شرعية النظام، حيث ارتأت الدولة السعودية إقامة علاقة تفاوض وتبادل مصالح مع الشركة حاملة الامتياز».
من الملاحظ، أن المملكة حافظت على هذه العلاقات حتى بعد أن ساهمت فى تأسيس منظمة «أوبك» خلال فترة الستينيات والسنوات القليلة الأولى من السبعينيات. بدأت سوق النفط تتغير تدريجيا فى أوائل عقد السبعينيات. وقادت «أوبك» على أثرها جهود إجراء تعديلات مشتركة فى أسعار النفط مع الشركات حاملة الامتيازات فى دول المنظمة، وعرفت هذه التعديلات فى تاريخ المنظمة باتفاقية طهران فى 1971 واتفاق جنيف فى 1972. وفى هذا العام نفسه، قادت المملكة منظمة «أوبك» إلى مفاوضات ما عُرف بـ«المشاركة»، ولم يكن تأميم مصالح النفط مُدرجا على الأجندة السياسية أو الاقتصادية للدولة.
وبدأت فى خضم التغييرات الجارية فى هيكل أسواق النفط العالمية وعلاقات الحكومات بالشركات، ومن أجل تنظيم آلية صنع القرار النفطى، تأسيس شركات حكومية مرادفة فى أعمالها لـ«أرامكو». فتأسست «بترومين» فى 1962، حيث منحت صلاحيات ومسئوليات واسعة النطاق للتنقيب عن البترول والمعادن وتكريرها وتوزيعها داخل المملكة ولتعمل جنبا إلى جنب مع «أرامكو»، كما تفاوضت «بترومين» لمنح امتيازات تنقيب خارج مناطق أعمال «أرامكو». وأنشأت الحكومة فى 1972 المجلس الأعلى للبترول، وكان أغلب أعضائه من مجلس الوزراء، وأنيطت به مسئولية وضع وتنسيق السياسات المتعلقة بأسعار النفط، والامتيازات، والمشاركة، واستغلال الغاز، وإقامة المؤسسات التنفيذية لهذه السياسات.
ويضيف المنيف «غير أن الديناميكية التى كان يتوقع لها أن تتطور ما لبثت أن اصطدمت بالهيكل البيروقراطى لـ(بيترومين) كمؤسسة حكومية، حيث كانت لـ(بترومين) ميزانية تشغيلية تعتمد من قِبل الحكومة بدلا من أن تعمل وفق أساس رأسمالى خاص بها».
وبموجب اتفاقية المشاركة، «تملكت الحكومة بداية عام 1973 حصة 25 فى المائة فى (أرامكو)، ثم زادت هذه الحصة إلى 60 فى المائة بعد عامين. وأوكل إلى (بترومين) مهمة إدارة ومتابعة حصة الحكومة فى الإنتاج، ولكن سرعان ما تبين افتقارها إلى الكفاءة وتفشى الفساد فيها».
وفى 1976، انتزع من «بترومين» دورها فى تطوير قطاع البتروكيماويات وأوكل إلى الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) المملوكة للدولة؛ مما جعل الدور المهيمن لـ«بترومين» كقائد لصناعة النفط والغاز الوطنية «موضع تساؤل فى الداخل، إضافة إلى عدم قدرتها على أن تكون لاعبا مهما عالميا».
واصلت «بترومين» الانكماش خلال فترة السبعينيات. فبعد امتلاك الحكومة الكامل لـ«أرامكو» فى 1980، اختارت ألا تعهد بها إلى «بترومين»، وإنما أبقت على هيكل «أرامكو» وعلاقاتها بالدولة والعالم. ويشير المنيف «لم تتمكن الدولة، نتيجة للاختلاف داخل أروقة صنع القرار فيها، من تحديد العلاقة بين (أرامكو) بعد سعودتها من جهة وبين (بترومين) من جهة أخرى». واستغرق حل هذا الأمر ثمانى سنوات وتغييرات فى الهيكل القيادى لوزارة البترول والثروة المعدنية و«بترومين». وفى 1988، صدر مرسوم ملكى بتحويل شركة الامتياز التى تملكتها الحكومة إلى شركة «أرامكو السعودية» لتصبح شركة النفط الوطنية.
وكحال علاقة الحكومة مع «أرامكو الأمريكية»، يذكر المنيف «مرت علاقة (أرامكو السعودية) مع الحكومة بمصاعب بسبب تعارض وجهات النظر والافتقار إلى قنوات الاتصال المناسبة. فقد استعانت الحكومة بالشركة للاضطلاع بأمور بنية أساسية نيابة عن الدولة... وتعرّضت العلاقة بين الشركة والحكومة فى المملكة للاختبار من خلال مبادرتين رئيسيتين للدولة، هما: مبادرة فتح قطاع النفط والغاز للاستثمار الأجنبى خلال الفترة 1998 ــ 2003 (التى تباينت الآراء حولها ضمن أجهزة الدولة). وفى 2016 أعلنت الحكومة اعتزامها طرح بعض أسهم شركة (أرامكو السعودية) للاكتتاب العام، وتحولت هذه المبادرة إلى حجر زاوية فى برنامج المملكة الإصلاحى و(رؤية المملكة 2030)».
النص الأصلى: