ملاحظات حول عودة سوريا

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأربعاء 17 مايو 2023 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا لوزير خارجية الأردن الأسبق، مروان المعشر، يقول فيه إن عودة سوريا لجامعة الدول العربية لا علاقة لها بضمانات تهم الشعب السورى كاحترام حقوق الإنسان، أو إرساء دعائم ديمقراطية للدولة السورية، وإنما مرهونة بمصالح إقليمية؛ كالتزام النظام السورى بتسهيل عودة اللاجئات واللاجئين السوريين لبلادهم، وإيقاف تهريب المخدرات لدول الجوار، والخوف من تمدد الجماعات المسلحة ــ وبخاصة الإيرانية ــ حال سقوط نظام الأسد. ومع ذلك، يرى كاتب المقال أنه حتى تحقيق هذه المصالح تعترضها عقبات بالغة التعقيد... نعرض من المقال ما يلى:
لسوريا تاريخ حضارى عريق، فقد تعاقبت عليها حضارات متعدّدة منذ أقدم العصور، ما أعطى الشعب السورى خلفية ثقافية غنية. لا تدل على ذلك فحسب الآثار الباقية ليومنا من هذه الحضارات، ولكن أيضًا الموروث الثقافى المتراكم عبر العصور، الذى ما زال ينتج أدبًا وفنًّا وعلمًا وشعرًا وفلسفة راقية المستوى.
يستحق الشعب السورى العظيم أن يعيش بأمان فى دولة تحترم حقوقه، يشارك فيها فى صنع قراره المستقل، ويتفيّأ تحت ظلها الأمان والاستقرار والازدهار، فلا تضيع تضحياته سدى، ويصبح لمقتل أكثر من نصف مليون سورى فى الأزمة التى تعيشها سوريا اليوم بعض المعنى، لأن أحدًا لا يستطيع التعويض الكامل لما شهده السوريون من قتل وتهجير وتشريد خلال العقد الماضى. فى منطوق السياسة، لا تحظى هذه الاعتبارات بما تستحق من الاهتمام، فعودة سوريا إلى الجامعة العربية لا علاقة وثيقة لها بالديمقراطية أو التشاركية أو احترام حقوق الإنسان، ولا علاقة لها أيضًا بمسئولية النظام السورى، مهما تباينت المواقف حول درجتها، عمّا حل بالشعب السورى الذى أصبح أكثر من نصفه إما لاجئًا أو نازحًا أو مقتولا.
تتركّز المصالح الإقليمية اليوم خلف إعادة سورية حول أمور أخرى، أهمها موضوع اللاجئات واللاجئين السوريين فى المنطقة، وإمكانية إعادتهم إلى بلادهم، وإيقاف تهريب المخدرات وحبوب الكبتاجون إلى دول الجوار، والخوف من هيمنة الجماعات الإسلامية المتشدّدة على البلاد، إن سقط النظام السورى، والحد من تأثير الجماعات المسلحة الإيرانية، خاصةً فى جنوب البلاد.
• • •
تبعًا لذلك، يتبع عددٌ من الدول العربية سياسة الخطوة خطوة نحو سوريا، بمعنى أن كل خطوة إيجابية من قبل سوريا ستتبعها خطوة إيجابية مقابلة من بعض الدول العربية على الأقل، فى تجاهل شبه تام لعملية سياسية تؤمن بمشاركة كل المكونات السورية فى تحديد مستقبل البلاد، وهو ما كانت هذه الدول نفسها تطالب به فى السابق.
ولكن هذه المصالح الإقليمية اليوم تصطدم بعقبات عدة. فالممارسة التاريخية للنظام السورى فى العقود الماضية تظهر بوضوح نزعة أيديولوجية لا تؤمن بالضرورة بالمرونة والخطوات المتقابلة. ففى موضوع اللاجئات واللاجئين مثلًا، فإن قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبالأخص البروتوكول المتعلق باللاجئين للعام 1951، تحرم العودة غير الطوعية لهم، ما يتطلب التعاون السورى فى هذا المجال ورغبة اللاجئات واللاجئين أنفسهم فى العودة، إلا أن الاستعداد السورى لتسهيل هذه العودة مشكوك فيه، فالنظام السورى لا يرغب فى عودة اللاجئات واللاجئين الذين يتبنّى معظمهم مواقف معارضة له، كما تظهر استطلاعات الرأى كافة حول ذلك. كذلك، ستظهر أى عودة مدى الدمار الذى حل بممتلكاتهم، ومدى نقص الخدمات الأساسية، ما سيجعلهم أكثر تشدّدًا تجاه النظام. لذا، فإن محاولة دول الجوار إقناع النظام السورى بقبول عودة أعداد كبيرة من اللاجئين واللاجئات تعترضها عقبات سياسية واقتصادية وخدمية كبيرة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن المجتمع الدولى ليس متحمّسًا لإعادة إعمار سورية فى ظل الوضع القائم، هذا إن كان ثمة اعتقاد بأن ذلك سيشكل حافزًا لعودة اللاجئين. لا ينطبق ذلك على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى والدول الغربية فحسب، بل أيضًا على روسيا التى لا تملك الموارد الكافية خاصةً بعد حربها مع أوكرانيا، والسعودية المنشغلة بتنميتها الاقتصادية الداخلية، وإيران التى تعطى سورية جلّ ما تستطيع ضمن حصار دولى خانق عليها، والصين التى تملك الموارد، ولكن لا تملك الرغبة فى ضخ أى أموال فى ظل عدم الاستقرار السياسى لسورية.
يجلب تهريب المخدرات والكبتاجون لسورية اليوم مبالغ هائلة تُقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات حتى الآن، ولذا فإن استعداد سورية اليوم للتجاوب الجاد مع متطلبات دول الجوار لوقف التهريب ينتابه الكثير من الشكوك. وقد أُجبر الأردن على القيام بعمليات عسكرية كثيرة داخل سورية للحد من التهريب بعد عدم إظهار الجدية المطلوبة من قبل الدولة السورية لكبح جماح هذه العمليات، حتى لا نقول أكثر من هذا.
هل ستقبل سوريا بالحد من نشاط الجماعات الإيرانية المسلحة، خاصة فى جنوب البلاد مع الحدود الأردنية؟ وهل يستطيع النظام السورى إملاء شروطه على إيران، وهو المعتمد على وجودها العسكرى اعتمادًا مكّنه من الاستمرار حتى الآن؟ وما مصلحته فى ذلك؟ هل ستشمل سياسة الخطوة خطوة تقدّم النظام السورى خطوات تجاه المعارضة السورية غير المسلحة، أو المتشددة دينيًا؟ وهل ثمة أمل بحل سياسى يشمل المكونات السورية كافة، بعد أن غاب مثل هذا الحل على الرغم من عشر سنوات من محاولات الأمم المتحدة لتحقيقه، وذلك أساسًا بسبب رفض النظام السورى أى إشراك جدّى للمعارضة فى الحكم؟
• • •
قد لا تكون الإجابة على كل هذه الأسئلة واضحة، ولكنها تؤشر جميعها إلى درجة التعقيد التى ترافق الجهود الإقليمية لحل الأزمة السورية. ما من شك أن إعادة سورية إلى الجامعة اليوم هى نتيجة مباشرة لحقيقة أن اعتبارات بعض الدول العربية دعم النظام السورى لكبح جماح إيران، أو الجماعات الدينية المتشدّدة تطغى على كل الاعتبارات المذكورة أعلاه، وليس لأى آمال بـ«مرونة» النظام فى التجاوب مع مكونات شعبه. وليس من الواضح إن كانت الدول العربية ستخرق قوانين الأمم المتحدة كما القوانين الأمريكية التى يفرضها المجتمع الدولى على سوريا، أم أن إعادة سورية لشغل مقعدها فى الجامعة لن تمتدّ لأكثر من ذلك. مع عودة سورية إلى الجامعة، يبقى الأمل أن تنتهى معاناة الشعب السورى، وألّا نتحدث عن «انتصارات» لا معنى لها، إن لم تشمل أيضًا انتصارًا للشعب السورى.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved