من يريد الإصلاح؟

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 17 يونيو 2015 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

الإصلاح مادة حديث لا أكثر، لكن الفعل فيه قليل. يتحدث المسئولون باختلاف درجاتهم عن الإصلاح، وتتناوله وسائل الإعلام، ويتمناه المواطن الذى يذيقه الجهاز الإدارى مرارة الروتين والبلادة والفساد، لكن الملفت أن هناك اتفاقا ضمنيا واسعا بين كل الأطراف أن الإصلاح الحقيقى غير مرغوب فيه.

من منا يريد الإصلاح؟ نحن نريده عندما يتفق مع مصالحنا، ونرفضه، ونفضل عليه الفساد حين يقف ضدها.

هناك من يريد الوظائف حكرا على طبقات اجتماعية معينة، أو توريثا من الآباء لأبنائهم. وهى مسألة شائعة ليست فقط فى مؤسسات الدولة الكبرى، ولكن أيضا على مختلف مستويات الجهاز الإدارى. هل يريد هؤلاء وغيرهم الإصلاح؟ الملفت أن من آن لآخر تخرج أصوات من داخل الجهاز الإدارى تقدمية، إصلاحية، وهو شىء طيب، ولكن هل هؤلاء نالوا وظائفهم بطرق شفافة واضحة، أم كانت الروابط العائلية، والواسطة، وربما الفساد سببا فى وجودهم؟

هل قطاعات عريضة من الجهاز الإدارى تريد إصلاحا، هل تريد قضاء على الفساد، المحسوبية؟ هل القيادات المتنفذة فيه تريد إصلاحا يحرمها من امتيازات تحصل عليها؟ لنا فى تجربة «الحد الأقصى للأجور» مثالا، وفى غيرها إلى حد أن أصبح منطق «القبيلة» سائدا فى التفكير، وتريد كل مؤسسة فى الدولة وضعا خاصا، حتى لو حساب بقية المؤسسات؟

هل طبقة «رجال الإعمال» تريد إصلاحا حقيقيا، بالتأكيد لا، لان الإصلاح سوف يحجب الكثير من الامتيازات التى تحصل عليها، والتى تحرم منها فى المشروعات التى يقومون بها فى دول أخرى؟

هل المدرس يريد إصلاحا يحجب الدروس الخصوصية عنه، وهل استاذ الجامعة يريد إصلاحا يلزمه بالعمل فى الجامعة دون غيرها؟

هل يريد الإعلاميون إصلاحا؟ بالتأكيد يريدون إصلاح غيرهم، ولكن لا يريدون إصلاح الجهاز الإعلامى ذاته بما يحجب الامتيازات التى يتمتعون بها؟

هل المواطن العشوائى ــ الذى يعمل فى الاقتصاد غير الرسمى ــ يريد إصلاحا؟ بالتأكيد لا، لأنه يكسب فى أجواء الفوضى، ولا يريد تقيدا بقانون أو نظام.

هل الأحزاب السياسية تريد إصلاحا يرسى الآليات الديمقراطية بداخلها، ويطهرها من شوائب الاستبداد وشراء الولاءات وتقسيم الغنائم؟ هل تريد نظاما انتخابيا يحقق الديمقراطية أم كل طرف يريد نظاما «على مقاسه» بحثا عن أكبر نصيب ممكن من المغانم؟

هل كل الذين يشتكون الجهاز الإدارى، بوصفه فاسدا يريدون إصلاحه؟ الإجابة بالرفض، لأن هذا الجهاز الذى ينخر فيه الفساد يجد طلبا عليه من قطاعات عريضة من المواطنين تعيش واقع «المخالفة» فى كل مفردات حياتها، ولا تريد قانونا تلتزم به، ولا تتورع عن التهرب من المستحقات الواجبة عليها، والاستيلاء على مرافق الدولة إذا تمكنت من ذلك.

الخلاصة أن الاصلاح مادة حديث استهلاكى لا تنضب، شيقة، لكن لا أحد يريد أن يراه واقعا، لأن الكل له امتيازات، حسب مكانه ومستواه، يحرمه أى إصلاح حقيقى منها. هذه هى إشكالية المجتمع الحقيقية أنه لا يوجد طلب جماهيرى أو مساندة شعبية أو دعم سياسى للإصلاح، بحيث بات الخوض فيه مغامرة بكل المقاييس، تتحطم على صخرة التواطؤ العريض فى المجتمع، الذى يريد أن يتحدث عن التطهر دون ممارسته، ويخشى الفضيحة، ولا يخشى الرذيلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved