صفقة القرن و«نافذة» الانتخابات الإسرائيلية القادمة
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 17 يونيو 2019 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
هل أُجِّل أم أُنقِذ الفشل فى تشكيل الحكومة الإسرائيلية، الناتج عن الخلافات التى انفجرت بين أحزاب اليمين المتشدد من دينى وقومى، والذهاب بالتالى إلى انتخابات جديدة فى سبتمبر القادم، دخول العرب فى النفق المسدود الذى اسمه صفقة القرن. المفارقة الكبرى أن هدف مواجهة إيران واحتواء نفوذها وتوسع هذا النفوذ فى المنطقةــ الذى كان عاملا أساسيا إن لم يكن العامل الأول للقبول بصفقة القرن تحت عنوان تغير الأولويات عند الكثيرين من العرب ــ كان سيساهم، وما زال الاحتمال قائما، إذا كان تأجيل الصفقة أو إلغائها سيبقى سببه فقط الانتخابات الإسرائيلية وليس موقفا عربيا مختلفا، فى خلق بيئة سياسية أمنية، من خلال زيادة حدة التوتر فى المنطقة العربية، تخدم خطاب الرفض والراديكالية والمصالح الإيرانية، مادام المطروح فى صفقة القرن لا يلاقى الحد الأدنى الذى يمكن أن يقبل به الفلسطينيون أو أن «يغطيه» أى طرف عربى أو دولى بشكل فاعل. فمسار صفقة القرن معروف وقد لمح إلى ذلك وزير الخارجية الأمريكية بقوله فى جلسة مغلقة مع قيادات يهودية فى الولايات المتحدة إن «الصفقة قد ترفض». فالصفقة تشوه قضية هوية وطنية لتحولها إلى مشكلة تحسين وضع اقتصادى وهو أكثر من ضرورى ولكنه ليس بديلا عن حق التعبير الدولتى (قيام دولة مستقلة) لهوية وطنية مقموعة. فلا حل عادلا وشرعيا وبالتالى دائما وواقعيا «لإقفال ملف» القضية الفلسطينية التى كانت مادة لقوى عديدة توظفها فى صراعاتها دون «معالجة» فعلية وفاعلة لطبيعتها الحقيقية كقضية تحرير وطنى.
صفقة القرن تقوم على معادلة بسيطة، عبر عنها بأشكال مختلفة «ثلاثى المبادرة» جاريد كوشنر وجايسون جرينيلات وديفيد فريدمان وهى معادلة يحكمها منطق تجارى عملى قوامه إسقاط قضية الهوية مقابل تخفيف ولو طفيفا مع وعود كبيرة لاحقا، فى الوضع الاقتصادى المعيشى البائس للشعب الفلسطينى فى إطار حكم ذاتى أقل بكثير من مفهوم الدولة بما تمثله من حقوق ووظائف وسمات سيادية. «ورشة العمل الاقتصادية» فى المنامة التى يقاطعها الفلسطينيون والتى كان يفترض أن تشكل حسب مهندسى الصفقة محطة إنطلاق لصفقة القرن. وقد تعمل بعض الأطراف العربية الرسمية المشاركة، بشكل مباشر أو غير مباشر، والواقعة بين «مطرقة» القبول «وسندان» الرفض وتكلفة كل منهما أو بين إعطاء شك على بياض لواشنطن أو معارضتها فى هذا الشأن، على بلورة «جزرة عربية» كما توصى بعض الأطراف المشاركة لتغيير الموقف الأمريكى وكذلك الإسرائيلى للعودة إلى سكة الحل السياسى حسب المرجعيات الدولية المعروفة وعبر إحياء طروحات شيمون بيريز فى الماضى. بيريز كان قد طرح «البوابة الاقتصادية» كمدخل للحل السياسى. الحل الذى لم يكن هنالك إتفاقٌ حول طبيعته ولكنه كان بالنسبة لبيريز المدخل لقيام «شرق أوسط جديد».
ولا بد من التذكير أن «فترة السماح» حتى سبتمبر المقبل لن تحل بالتأكيد أزمة تشكيل حكومة غداة انتخابات إسرائيلية جديدة طالما أن الانتخابات كما يقول أكثر من مراقب لن تغير إلا بشكل طفيف ودون تأثير أساسى بخريطة النتائج التى أفرزتها الانتخابات الأخيرة: سيأتى اليمين المتشدد بأطرافه وخلافاته والتى قد ينجح أو لا ينجح فى حلها لمحاولة تشكيل حكومة مرة أخرى.
أنها فرصة، وقد يقول البعض أن هذا يدخل فقط فى باب التمنى والشىء شبه المستحيل ولكن لا مستحيل فى السياسة، لإعادة بلورة سياسة عربية عملية تقوم على مبادرة السلام العربية، مبادرة قمة بيروت، لأن هذا هو المدخل الواقعى الوحيد للإسهام فى الاستقرار فى شرق أوسط مشتعل وقابل للمزيد من الاشتعال عبر عناصر عديدة وراء ذلك، أو البقاء فى موقف المتردد ورد الفعل والعودة إلى المربع الأول فى الصراع: صراع الهويات الكلية فى تعبيراتها الأصولية الرافضة فى المبدأ للتسويات والقائمة على منطق إلغاء الأخر. صراع فرضته الأجندة الإسرائيلية والدعم الأمريكى غير المشروط والغياب العربى الساطع. صراع يأخذ المنطقة وشعوبها ودولها نحو المجهول.