كيف حمت تحويلات المصريين بالخارج الجنيه المصرى
أحمد شكري رشاد
آخر تحديث:
الخميس 17 يونيو 2021 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
«إن الباكستانيين بالخارج هم أعظم ثروة لدينا»، هكذا كتب عمران خان، رئيس وزراء باكستان، منذ أسابيع قليلة فى تغريدة، بعد أن وصلت تحويلات الباكستانيين بالخارج إلى 26 مليار دولار.
فى إبريل 2020، أصدر البنك الدولى بيانا صحفيا، توقع فيه أن تنخفض تحويلات المهاجرين فى منطقة الشرق الأوسط بنسبة 20% فى سنة 2020 فى ظل انخفاض أسعار النفط وفقدان الوظائف فى منطقة الخليج بسبب جائحة كورونا، ومن ثم يشتد الفقر أكثر فى البلدان العربية غير النفطية، ولكن مع ظهور الإحصائيات لسنة 2020، تفاجأ البنك الدولى بأن توقعاته كانت بعيدة تماما عن الصواب، فتحويلات المهاجرين فى منطقة الشرق الأوسط ارتفعت ولم تنخفض! حيث نمت تحويلات المغتربين فى منطقة الشرق الأوسط بنسبة 2.3% فى عام 2020.
السبب الرئيسى وراء هذا الارتفاع فى منطقة الشرق الأوسط هو المصريون بالخارج. مصر من أهم خمس دول فى العالم فى استقبال تحويلات المغتربين بعد الهند والصين والمكسيك والفلبين؛ على عكس توقعات البنك الدولى، نمت تحويلات المصريين فى الخارج بنسبة 11% مقارنة مع عام 2019 لتصل إلى رقم تاريخى وغير مسبوق، وهو 29.6 مليار دولار أى ما يعادل حوالى 10% من الاقتصاد المصرى. هذا الرقم يزيد عن باكستان بـ 3 مليارات دولار، على الرغم من أن عدد المصريين أقل من نصف عدد سكان باكستان (217 مليون نسمة).
تمتلك مصر أربع مصادر رئيسية للعملة الصعبة من الممكن تسميتهم بالأربعة الكبار The Big Four وهم: تحويلات المغتربين، قناة السويس، السياحة والصادرات البترولية. وفى بيانه الصحفى الأخير، نشر البنك المركزى المصرى أحدث التطورات فى ميزان المدفوعات عن النصف الأول (يوليو/ديسمبر) من العام المالى 2020/2021.
ويبين ميزان المدفوعات كيف تأثرت تلك المصادر بسبب الأزمة الاقتصادية باستثناء تحويلات المصريين؛ حيث انخفضت الصادرات البترولية من 5 مليارات دولار إلى 3.5 مليار دولار، وانكمش إيراد قناة السويس فى ظل ضعف حركة التجارة من 3 مليارات دولار إلى 2.8 مليار دولار وانخفضت إيرادات القطاع السياحى بشدة مع الإغلاقات من 7.2 مليار دولار إلى 1.7 مليار دولار.
أما تحويلات المصريين فكانت النقطة المضيئة فى ميزان المدفوعات حيث نمت من 13.6 مليار دولار إلى 15.5 مليار دولار. بلا شك، أن استمرار نمو تحويلات المصريين بالخارج فى تلك الأزمة حمى الجنيه المصرى ووفر سيولة مالية للحكومة؛ حيث إن التحويلات تقرضها البنوك مرة أخرى للحكومة عن طريق شراء الأوراق المالية، كما ساعد نمو التحويلات فى امتصاص عجز الحساب الجارى. لأن العجز فى الحساب الجارى يجب أن يمول إما بالاستدانة أو من مصادر أخرى. وإن العجز المستمر فى الحساب الجارى يمثل ضغطا على الاحتياطى وعلى قيمة العملة الوطنية. لو صدقت تنبؤات البنك الدولى وانكمشت التحويلات لكان وضع الحساب الجارى وقيمة العملة المصرية فى موقف لا يحسد عليه.
وقد طلب صندوق النقد الدولى من بلدان الشرق الأوسط على لسان جهاد ازعور ــ مدير إدارة الشرق الأوسط بالصندوق ــ تخفيض قيمة العملة لامتصاص الصدمة الاقتصادية. ولكن البنك المركزى المصرى تحرك بسرعة وبشكل مختلف عن تصور الصندوق. فقدمت البنوك الحكومية شهادة ابن مصر بعائد 15% لمدة عام التى ساهمت فى جذب تحويلات المغتربين وحصلت 24 مليار دولار، كما تدخل البنك المركزى للحد من التقلبات فى قيمة الجنيه حسب تقرير الصندوق وهو الأمر الذى عزز الثقة فى الجنيه ومنع ارتفاع الأسعار لكن مع فقد جزء من الاحتياطى. بلا شك إن تحويلات المصريين بالخارج ضخت الحيوية فى جسد الاقتصاد المصرى خلال عام 2020 ونشطت الاستهلاك المحلى (أهم مكون فى الاقتصاد).
ونجح البنك المركزى فى إدارة واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية على العالم سواء على مستوى سعر الصرف أو فى الحفاظ على مستوى التضخم. كثيرا ما أجد نفسى اتخيل أن مسألة العائد على الشهادات البنكية فى مصر كلعبة شطرنج بين البنك المركزى والمصريين بالخارج وتنتهى كل جولة بفوز البنك المركزى بحركة كش ملك مباغتة!.