سلطان
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 17 يونيو 2022 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
لا فرق بين مشاعر الطفل الذى شاهد هذا الفيلم فى عرضه الأول عام 1958 وبين ذلك العجوز الذى رآه بعد ذلك أربعة وستين عاما، إنها حالة خاصة يصنعها ذلك النسيج السينمائى الغريب المسمى «سلطان» من إخراج نيازى مصطفى وبطولة فريد شوقى ورشدى أباظة وبرلنتى عبدالحميد وهو الفيلم الأول لنادية لطفى، نعم هو فيلم غريب فى البيئة التى يصورها وفى مواقف أبطاله وشخصياتهم والمكان الرئيسى الذى تدور فيه الأحداث، هذا المكان هو الجبل أو ما يعرف من خلال حوار الفيلم باسم جبل السويس، مكان عال موحش بالغ القسوة، يلجأ إليه المطاريد ويعيشون فيه داخل مملكتهم السوداء فى أمان شديد ويدافعون عنه، يمتلكون الأسلحة ويتاجرون فى الممنوعات، هذا المكان فيه نساء ورجال يعيشون فى يأس ملحوظ ولا يعرفون الغد، لديهم مفردات لغوية لا يمكن لهذا الصبى الذى شاهد هذا الفيلم إذا عاد إلى رؤيته مجددا أن يرددها كأنه يحفظها عن ظهر قلب مثل «فسحوه، وأنا باخد حقى بإيدى يا معلم، والتفسح هنا أمر سهل للغاية فالمعلم يشير إلى رجاله أن يرموا بأى شخص من جبل عال جدا ليلقى مصيره، هذا فيلم عن شخص منذ بداية طفولته وهو يعانى من قسوة الآخرين خاصة أصحاب الأزرار الصفراء فى ستراتهم حتى يموت فى معركة مصيرية مع الضابط الذى تربى معه منذ الطفولة.
البيئة غريبة للغاية قاسية تجمع ما بين المدينة الصغيرة والجبل، والجدير بالذكر أن السينما المصرية ذهبت إلى الجبل بشكل ملحوظ فى تلك الفترة فرأينا أفلاما مثل صراع فى الجبل وبلا عودة ورجال فى العاصمة، وكان رشدى أباظة بطلا لها جميعا، إذن فالجبل متاخم للمدينة حيث رجل الشرطة الغليظ فى بيته المطيع بشدة لزوجته القاسية، فى هذا البيت تربى سلطان الطفل الذى كم جلده أبوه بحزام سميك فكره كل ما هو بوليسى ولما صار فى سن التجنيد جنّده القائد فى بيته ليعمل مراسلا «أقسى درجات الإذلال فى الخدمة» وكم عانى سلطان من ابن القائد الذى كان يسرق ويرتكب الجرائم الصغيرة فتذهب الاتهامات إلى الطفل البرىء الذى كان دائما يعيش محاطا بحظ عثر فى كل سنوات حياته، فهو مغرم بفتاة تسرق منه الأزرار الصفراء ليتهم هو باللصوصية ويسامحها لدرجة أنها تخونه مع المكوجى ويجد نفسه متهما بالقتل ويهرب إلى الجبل ويصبح من المطاريد، وهناك تكون قسوة الحياة أشد من المدينة الظالمة، ويتعلم أن يأخذ حقه بيديه، القانون فى أعلى الجبل هو قانون المعلم صاحب الجسد القوى عاشق التهام اللحم بكافة أشكاله وهو لا يميل أن يراجعه أحد ويدخل فى تحد مع سلطان الذى يدخل فى معركة مع معلمه تنتهى به أن يقذفه من أعلى الجبل، إنها مواجهات محتومة المصير، المغلوب يرمى من أعلى الجبل العالى، والمعلم الجديد يمكنه أن يقوم بتصفية خصومه برصاص رشاشه وتستأنف الحياة مسيرتها كى يعرف سلطان المعنى الحقيقى للحب لأول مرة فى حياته إلا أن الحب المتمثل فى هذه الصحفية التى اختطفها لنفسه.
نقطة واحدة بيضاء يصبغها السيناريو بسلطان فالأحداث تدور قبل 1952، وعندما يتولى سلطان أمور المطاريد فإنه يصبح كل همه هو الاستيلاء على معسكرات الاحتلال فى السويس، أى إن الفيلم حول سلطان إلى بطل قومى مناضل يقاوم الإنجليز ويضرب معسكراتهم، لذا فإن البوليس والإنجليز يطلبون رأسه أى إننا أمام نموذج من الأبطال الشعبيين مثل أدهم الشرقاوى وأيضا الرجال الذين قاوموا الاحتلال فى منطقة القناة، ورغم كل هذا فإن الفيلم يتعاطف مع سلطان ويقتله وهذا يجعل أجواء الفيلم غريبة وموضوعا مثيرا وأنا على المستوى الشخصى للموسيقى التصويرية للفيلم فهناك تيمة كلما تردد شاهدنا حالة من حالات «فسحوه» أقرب إلى الموسيقى الجنائزية هذا فيلم جيد مصنوع باهتمام شديد ولا يعرض كثيرا على القنوات ويبدو أنه مصنوع بالأمس.