لم تعد الانتصارات بالقاضية؟
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 17 يونيو 2023 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
«القاضية» هى تعبير يستعمل فى رياضة الملاكمة عندما يطرح أحد الخصوم الآخر أرضا والحكم يعدِ إلى عشرة فإذا الخصِم لم يقم من الأرض هذه تسمى «القاضية» ويبدو أن حروب هذا الزمان لا تنتهى بـ«القاضية» أى إن جيشا ما يطرح الجيش الخصم ويقضى عليه، مثال على ذلك عنصر المفاجأة فى حرب أكتوبر 1973 كانت «الضربة القاضية» للجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر حتى الثغرة التى جاءت بعد ذلك كانت لزوم الشو الإعلامى من قبل إسرائيل ولم تؤدِ إلى شىء فى أراضى المعركة، كذلك الحلفاء انتصروا بـ«القاضية» على جيوش هتلر ودخلوا برلين العاصمة وإذا رجعنا إلى الخلف مع التاريخ سنجد أن انتصار جيش على جيش آخر كان لازما ولا بد من «الضربة القاضية» وفى الغالب احتلال العاصمة.
أما اليوم فهناك عدة حرائق فى أماكن كثيرة ولكنها لا تُحسم، مثال على ذلك الحرب ضد الحوثيين التى مر عليها أكثر من 5 سنوات لم تُحسم بـ«القاضية» بين ميليشيات الحوثى والجيش الحكومى المدعوم من قبل تحالف عربى، بدأت الحرب والجانبان فقدا الكثير من الجنود واستعملا المسيرات والحرب التكنولوجية وإلى يومنا هذا لم تُحسم إلا من خلال مفاوضات تنجح تارة وتفشل تارة أخرى. مثال آخر الحرب الروسية ــ الأوكرانية التى اشتعلت منذ أكثر من سنة ونصف السنة لم تحسم لصالح جيش بعينه بـ«الضربة القاضية» وهذا هو الغريب رغم أن إمكانيات الجيش الروسى تفوق عدة مرات إمكانيات الجيش الأوكرانى من حيث العتاد ونوعية الأسلحة المتقدمة والتكنولوجية وعدد الجنود إلا أنها لم تأتِ عليه بـ«الضربة القاضية» بل هناك نوع من التراخى من الجانب الروسى وقد استغله الغرب من أجل إغراق الجيش الأوكرانى بأحدث الطائرات والعتاد والخبراء والتدريبات العسكرية فيظل الوضع معلقا، والأمم المتحدة لم تصدر أى قرار لوقف النار ولا بادرة مفاوضات سلام تلوح فى الأفق كأن الجميع «روسيا ــ اوكرانيا ــ أوروبا ــ أمريكا» وغيرهم مرتاحون للوضع «المعلق» PENDING الذى هم فيه.
السودان ليس أحسن حالا فمنذ شهرين تماما اندلعت الحرب بين جيشين، الجيش الحكومى الذى من المفترض إمكانياته أكثر والطيران معه يضرب به عدوه ومدرب أحسن تدريب وقيادته أكثر احترافية أما ميليشيات الدعم السريع فهى أقل عددا بكثير وغير منظمة ولا عندها سيادة الطيران على الأجواء ورغم ذلك لم «تُحسم» المعارك لصالح أحد والأزمة الليبية بين شرقه وغربه ليست بعيدا فهى الأخرى «معلقة» وغير محسومة، مما يجعلنا نتساءل لماذا هذه الحرائق لا تنطفئ وتأخذ وقتا طويلا ولا تُحسم وأزمات أخرى على هذا المنوال فلماذا جميع الأطراف عندهم نوع من «الرضى» فى عدم الحسم؟.
هل المقصود تدمير تلك الدول على الآخر وتقسيمها؟ هل المقصود جعل النار مشتعلة بقدر ما فى المنطقة حتى تكون دائما فوق صفيح ساخن؟ هل الحلفاء الذين فى خلفية المشهد مسرورون بأن تظل كل الأزمات غير محسومة ولوقت طويل عكس الحروب فى الماضى وحتى القرن العشرين؟ هل التكنولوجيا وتقدمها تلعب دورا فى عدم الحسم؟
أظن أن سياسة «عدم الحسم» هى السياسة السائدة ومقصودة بألا يخص طرف بالانتصار التام أى بـ«القاضية» حتى تحترق البلاد وتتآكل التنمية ويموت الناس قتلا أو جوعا أو فقرا، ولكن إلى متى؟ ألا يمكن أن يكون الحسم والقاضية بمفاوضات سلام من أجل الإنسان؟