دماء على الكاميرا
أحمد منصور
آخر تحديث:
الأربعاء 17 يوليه 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
جاء أحد الشباب مسرعا نحوى يحمل كاميرا تصوير وقال لى هذه كاميرا الشهيد أحمد عاصم المصور الصحفى الذى يعمل بصحيفة الحرية والعدالة والذى استشهد صباح اليوم حينما كان يغطى مذبحة دار الحرس الجمهورى، أمسكت الكاميرا فوجدت الدماء الذكية تغطى جوانبها ثم سألت عمن كان معه أو نقله إلى سيارة الإسعاف أو شاهد إطلاق الرصاص عليه، والتقيت مع أكثر من خمسة كلهم شاهدوا أحمد عاصم بعد إطلاق الرصاص عليه من قناص تمكن أحمد عاصم من تصويره قبل أن يقتل حيث كان القناص يعتلى سطح مبنى الهيئة العربية للتصنيع المواجه لفندق سونستا فى شارع الطيران وانتشرت صور هذا القناص والمصور الذى كان معه على نطاق واسع فيما أظهرت صور أخرى أنهم كانوا أكثر من قناص، ولهذا كتبت إحدى الصحف البريطانية تقريرا رائعا عن أحمد عاصم كان عنوانه «الصحفى الذى صور قاتله» لقد تمكن أحمد عاصم بالفعل من تصوير قاتله، بل كان له ــ رحمه الله ــ فضل فى نقل وتصوير كثير من مشاهد المذبحة التى نشرت فى شتى أنحاء العالم، وقد أكد لى بعض الشباب الذين نقلوا الصور من كاميرا أحمد عاصم أنه التقط قبل استشهاده مادة فيلمية رائعة تعتبر دليل إدانة قويا ضد المتورطين فى هذه الجريمة البشعة التى تعتبر جريمة ضد الإنسانية وتدخل فى نطاق جرائم الحرب حسب تصنيف كثير من رجال القانون.
أبلغنى أحد الشباب الذين حملوا جثمان أحمد عاصم بعد إصابته أنه لم يكن يعرفه أو يعرف أنه صحفى وحينما حمله مع آخرين كانت الدماء تغطى جسده وكان أحدهم يحمل الكاميرا التى كانت مغطاة بالدماء وتم وضعها معه فى سيارة الإسعاف، التقرير الطبى المبدئى أثبت أن أحمد عاصم أصيب بطلق نارى دخل من خده الأيمن وخرج من أسفل جذع الرقبة فأدى لوفاته أى أنه أصيب من مكان مرتفع ولعل الكاميرا المخضبة بالدماء تثبت أنه كان فى حالة التصوير حينما أصابه القناص بالرصاصة القاتلة.
لقد قمت منذ وقوع المذبحة فجر الثامن من يوليو وحتى الآن بالاستماع إلى شهادة ما يقرب من مائة شاهد على المذبحة من كل فئات وأعمار وشرائح المجتمع المصرى وما أصابنى بالذهول حتى الآن هو حالة التجرد من الآدمية التى سيطرت على الذين أطلقوا الرصاص على المعتصمين السلميين أثناء تأديتهم صلاة الفجر، أذكر أنى التقيت فى العام 2002 مع عقيد فى المخابرات الجزائرية فر إلى ألمانيا وأجريت معه حوارا فى برنامجى التليفزيونى بلا حدود حول كتاب نشره ذكر فيه كيف جرت المذابح فى الجزائر وكيف تورط الجيش الجزائرى فى ذبح عائلات كاملة وإبادتها فى كثير من القرى بدم بارد، وأكد أن الجنود كانوا يغيبون خلال ارتكابهم لتلك الجرائم عبر حقنهم بأدوية أدمنوا عليها قبل فترة من ارتكاب تلك المذابح بحيث يمارسون هذه الدموية باستمتاع، وحينما استمعت إلى شهادة الشهود تذكرت هذا الحوار عما حدث فى الجزائر وقلت يا إلهى هل يمكن لمصرى أن يطلق النار على أخيه أو أخته أو ابنه أو ابنته وهو يصلى بهذه البشاعة التى جرت ويكون فى وعيه وإنسانيته؟ إن المشاهد التى صورها الشهيد أحمد عاصم وغيره من شهود المذبحة والتى تمت فى غياب تام لوسائل الإعلام المصرية التى انحازت للطرف الآخر تقشعر لها الأبدان، ستخلد صور الشهيد أحمد عاصم فى التاريخ وكذلك صور قاتله وستبقى هذه المذبحة وصمة عار على كل من شارك فيها أو تقاعس عن تغطيتها أو انحاز للقاتل ضد المقتول.