أتابع منذ شهور أخبار القبض على العديد من الشباب الذين شاركوا فى الاحتجاج على اتفاقية «تيران» و«صنافير»، وكلها بالمناسبة كانت احتجاجات سلمية لم تشهر سلاحا أو تقطع طريقا أو تعتدى على مواطن مدنى أو فرد أمن، بل اقتصرت على رفع لافتات تنادى بعدم التصديق على الاتفاقية وتناشد البرلمان إرجاء مناقشتها حتى تبدى المحكمة الدستورية رأيها. ثم تجدد حبس الشباب مرة تلو الأخرى. وبعضهم تمت إحالتهم إلى المحاكمة الجنائية بتهمة التحريض على التظاهر والانضمام لتنظيم غير شرعى على الرغم من أنهم أعضاء فى أحزاب قانونية وشرعية وقائمة تحت بصر الدولة.
وجرى فى ذهنى وأنا أتابع هذه التطورات شريط المؤتمرات التى تنظمها الدولة لحث الشباب على المشاركة السياسية، وتصريحات المسئولين عن ضرورة حشد جهودهم وطاقاتهم، وأهمية بناء كوادر سياسية جديدة للمستقبل.
وقد شاءت الظروف أن أعرف بشكل شخصى أحد المحالين أخيرا للمحاكمة، وهو «إسلام مرعى» أمين تنظيم الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى الذى كنت عضوا به وضمن قيادته حتى خروجى منه فى العام الماضى. مثله مثل غالبية شباب الحزب، لم يكن لإسلام نشاط سياسى يذكر قبل ثورة يناير. فلما شارك فيها من قلب محافظة الشرقية، كان دافعه الإيمان بأن الفرصة قد لاحت للمشاركة الإيجابية فى تغيير البلد والنهوض به. وأخذه الحماس للانضمام إلى أحد الأحزاب الجديدة التى تأسست وفقا للقانون، وخوض الانتخابات البرلمانية فى ٢٠١١ على مقعد بدائرة الزقازيق وخسارتها بروح طيبة، ثم الاستمرار فى العمل الحزبى اقتناعا بأن الهدف هو خدمة الوطن وليس الفوز بمقعد نيابى أو حصانة برلمانية. ولما خرجت جماعة الإخوان المسلمين عن المسار الدستورى لم يتردد «إسلام» فى النزول للشارع مرة أخرى فى ٣٠ يونيو متشبثا بحلم التغيير، ولم يتوانَ عن مساندة دستور ٢٠١٤ والدعوة لتأييده فى قرى ونجوع محافظته، ولم يفقد الأمل فى النشاط الحزبى الشرعى حينما انفض الكثيرون عنه، اقتناعا بأهمية الاستمرار فى المحاولة بدلا من اليأس والاستسلام أو البحث عن ملاذ خارج الوطن.
فلما قرأت أنه كان ضمن من ألقى القبض عليهم بسبب مشاركتهم فى الاحتجاج ضد اتفاقية الجزيرتين، أصابنى الانزعاج والقلق عليه وعلى زملائه، ولكن تصورت أن الموضوع سوف ينتهى مع إقرار البرلمان للاتفاقية وتصديق رئيس الجمهورية عليها. وقلت لنفسى مادامت الدولة قد حققت ما كانت ترمى إليه فى هذا الموضوع الشائك، فلابد أنها سوف تسعى بعد ذلك للتهدئة مع الشباب المتحمس والغيور على مصلحة بلده، وتجاوز الانقسام العميق الذى تسبب فيه سوء ادارة ملف الجزيرتين. ولكن للأسف جاء قرار تجديد حبسهم وإحالتهم للمحاكمة لكى يؤكد أننا لا نزال بعيدين عن التهدئة، وعن فتح المجال لمشاركة الشباب وتشجيعهم على النشاط الحزبى، برغم أنه صِمَام أمان للبلد.
جريمة هؤلاء الشباب ليست التحريض ضد الدولة ولا الانضمام إلى تنظيمات سرية ولا العمل على هدم المؤسسات العامة، بل أنهم صدقوا أن على الشباب أن يشارك فى بناء مستقبله، وأن العمل السياسى الشرعى فى إطار الأحزاب المشهرة واجب وطنى، وأن السلبية والسكون فى وقت يحتاج البلد فيه لكل جهد خطيئة كبرى.
الملف صار الآن فى حوزة القضاء الذى أثق فى عدالته وأنه سوف ينصفهم. ولكن الأهم أن تعيد الدولة النظر فى موقفها من مشاركة الشباب فى العمل السياسى لأن الاعتقاد بأن هذه المشاركة يمكن أن تكون تحت الإدارة والسيطرة الكاملة للأجهزة الرسمية لن يأتى بالنتائج المرجوة. تشجيع الشباب على دخول ساحة العمل العام يجب أن يتضمن مساحة واسعة من الحرية، ومن قبول النقد، والاحتجاج السلمى، وارتكاب الكثير من الأخطاء. ولكن المقابل كبير ويستحق المخاطرة، وهو حشد لطاقات مخلصة وحماس حقيقى واستعداد لا ينضب للتضحية من أجل الوطن.