ممارسات المحامين

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأربعاء 17 أغسطس 2011 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

 محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك وولديه وأركان حكومته، ليست بحد ذاتها أداة لإنزال العقاب بالمذنبين، ولا لكى ينال كل منهم جزاء ما قدمت يداه، وما ارتكب من جرائم فى حق الشعب.. ولكنها بالدرجة الأولى تأكيد لمبدأ الحساب والعقاب فى الحكم وتطبيق لمبدأ العدالة التى لا يستقيم الحكم الرشيد بدونها فى ظل الديمقراطية!

ولهذا جاء انعقاد الجلسة الثانية بحضور المتهم الأول خلافا لتكهنات ذهبت إلى أنه سيشهد الجلسة الأولى فقط، ثم يتولى محاميه الدفاع عنه فى غيابه بحجة المرض وتقدم السن. وكان الناس ينتظرون على أحر من الجمر، خشية أن تتحقق هذه التكهنات.. خصوصا بعد أن عرف عن محاميه رغبته فى إعادة القضية إلى دائرة المستشار جمعة.. فما أن عقدت الجلسة الثانية وأحس الناس أن الأمر جد لا هزل فيه، حتى خشعت الأصوات لبعض الوقت..

قبل أن تعود المشادات والمشاحنات بين أعداد غفيرة من المحامين، مما اضطر القاضى إلى اتخاذ مواقف حاسمة أو رفع الجلسة لاستراحات طويلة، فى انتظار أن تهدأ الفوضى ويخفت الضجيج. وهى حالة لا مثيل لها فى أى محكمة فى العالم. لفتت الأنظار عن سير المحاكمة. وأكدت شكوك البعض من أن ثمة عناصر من الفلول تعمدت حضور جلسات المحاكمة للتشويش والإثارة. وهو ما أكدته الاشتباكات التى وقعت بين أهالى الشهداء ومؤيدى مبارك وأبنائه على باب المحكمة.

غنى عن البيان أن سير المحاكمة ومدى الالتزام بقواعد العدالة هو الذى سيقرر مصير الأوضاع فى مصر، ويحدد الطريق الذى ستسلكه الثورة. وكلما تأكدت شفافية القضاء ورسوخ قدمه فى تطبيق أصول العدالة زادت الثقة فى المستقبل، وأصبحت مصر مثلا يحتذى به ويخشى منه فى سائر دول المنطقة العربية. كما سيتأكد لدى الشعب المصرى أن طريق الديمقراطية لا رجعة فيه، وأن النظام العسكرى لن يتخلى عن التزامه بالدفاع عنها.. على عكس ما تروجه بعض الأفكار التقليدية العفنة.
ومن هنا فإن قرار المحكمة بوقف البث التليفزيونى للجلسات يعد قرارا حكيما وإن جاء متأخرا.

فقد كان البث التليفزيونى سببا فى الضجيج والغوغائية التى ميزت الجلسات التى عقدت حتى الآن سواء فى محاكمة العادلى أو محاكمة مبارك. واتخذ بعض المحامين من إدعاء الدفاع بالحق المدنى حجة للهرج والمرج والاستعراض أمام شاشات التليفزيون مثل أطفال المدارس ومشجعى الكرة.

وعلى حد قول رئيس المحكمة نفسه،
فإن القاعة ما كانت لتتسع لأكثر من مائة شخص على الأكثر من المحامين وعدد محدود ممن ينوبون عن المدعين بالحق المدنى.. حتى تجرى وقائع المحاكمة فى هدوء وسكينة، لا تخدش رهبة المنصة ولا تعكر مزاج القاضى.. والأهم من ذلك ألا تقدم للرأى العام العالمى والمحلى صورة عن المحاكمات فى مصر وكأنها سيرك قومى.
يتابع المصريون بكل اهتمام هذه المحاكمات، فهى الدليل الوحيد على أن الثورة حققت أهم أهدافها. وهم يدركون أن هذه المحاكمات لن تحل مشاكل البلد. ولكنهم يتابعون على الأقل الأداء الرفيع للقاضى، ولا تضيق صدورهم كما تضيق بالسجالات التى لا تنقطع بين الإسلاميين والليبراليين، وبين السنة والصوفية، الذين يضعون البلاد كل يوم على حد السكين دفاعا عن كلمات ونصوص يسهل تأويلها.. لكى تنقلب بعد ذلك إلى مليونيات يعتبرها البعض هى السبيل الوحيد لإثبات القوة والغلبة، ودون مراعاة لما تسببه من فوضى تنحرف بالثورة عن أهدافها.

الهدف من هذه المحاكمات ليس استعراض القوة. ولكن تأكيد حكم القانون وخضوع الجميع حكاما ومحكومين لمبادئه وآلياته، بما يشفى غليل أهالى الشهداء ويأخذ بحقهم فى القصاص. وليس الهدف إثارة نوازع الانتقام والثأر التى تغذى الفرقة والانقسام. فالعالم يرقب كل حركة وسكنة فى مصر.. ويتحمل المحامون فى هذه المحاكمات مسئولية نسبة كبيرة من النجاح أو الفشل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved