الأحزان المؤجلة وكرب ما بعد الصدمة
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
تمنيت دائما أن تملأ تلك الصفحة صباحكم يوم صدورها بما يبشر بالصحة ويدعو للسعادة. لكن إذا ما جاءت الريح بما لا تشتهى السفن كان علينا أن ننحنى للعاصفة فى حكمة ساق البامبو اللينة التى سرعان ما تتحين الفرصة لتعاود الانتصاب رافعة الرأس سامقة.
أعزائى: ليس لدى اليوم لكم ما يبعث على السعادة لكن ربما كان لدى حديث آخر يدلكم على طريق السلامة. حديث عن الأحزان المؤجلة أو تلك الضغوط النفسية التى ستترسب ذراتها الداكنة فى نسيج المخ كبؤر صدئة تعلن عن دمار لحق بخلاياه الحية. ما أعنيه هو تلك الظاهرة التى يطلق عليها العلم تسمية كرب ما بعد الصدمة:
Post - rsoumatic stress disorder
نحن جميعا وبلا استثناء فى مرمى نيران هذا الخلل النفسى الذى يهاجم الإنسان إذا ما تعرض لصدمة نفسية وعصبية أطاحت بتوازنه. ظاهرة يتعرض لها ويعانى منها الجنود بعد أهوال الحرب أو المرأة بعد اغتصابها أو الإنسان بعد فقد عزيز له غال على نفسه وما أرانا نمر الآن بأحداث أقل قسوة.
تبدأ أعراض تلك الظاهرة بعد أن ينقضى الحدث وتهدأ النيران المستعرة فتظل منها حجرات متقدة تحت الرماد. تبدأ بأعراض قلق متزايد مستمر يضرب نهايات الأعصاب فى دأب واستمرار وإصرار ليقضى الإنسان أياما طويلة ضيق الصدر شتت الذهن يطارد النوم فإذا غفا أيقظته الأحلام المفزعة والكوابيس حتى ينفصل عن عالمه ليدخل زنزانة من زجاج تفصله عن كل من حوله بينما هو بينهم. يظل الإنسان فى محبسه يستعيد بلا انقطاع تفاصيل تلك الأحداث التى سلبته أمان نفسه وبددت صفاء ذهنه لتحل محلها هواجس وهلاوس قاتمة تستعديه على أقرب الناس إليه.
يفقد الإنسان توازن النفس فيبدو سريع الغضب قاسيا فى ردود أفعاله أكثر سبلا للعنف وإيذاء الآخرين. إذا لم يتم التدخل بحسم فى البدايات فسرعان ما يتطور الأمر إلى ما هو أخطر من مشاكل التركيز والذاكرة إلى انحسار الإدراك والقدرة على استيعاب الأحداث وانهيار علاقات الإنسان بما حوله ومن حوله.
أردت فقط أن أنبهكم لخطورة تلك الساعات الطويلة التى تقضونها فى متابعة تفاصيل تلك المحنة أو المشاركة فيها كل بقناعاته. ستتسلل تلك المشاهد البشعة المخيفة إلى صندوق ذكرياتكم لتبعثر محتوياته وتمزق صور الزمن الجميل وتحتل مكانها بجسارة. تنبهوا جيدا لتوازنكم النفسى فهو سلاحكم الوحيد فى مواجهة كرب ما بعد الصدمة. اعتذار مسبق لمن آذته كلماتى لكن ما قصدت إلا الاجتهاد فى أداء واجب أظننى عنه مسئولة.