تغير المناخ.. وحقوق الإنسان
عمرو وجدي
آخر تحديث:
الخميس 17 أغسطس 2023 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
حظيت العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان فى السنوات الأخيرة باهتمام متزايد من جانب المجتمع الدولى، وذلك نظرًا لارتباطها بالوجود البشرى، خصوصا فى الدول الفقيرة التى باتت التكلفة البشرية فيها متزايدة عاما بعد آخر، لدرجة أن سكان الدول الجزرية أصبحوا مهددين بفقدان أوطانهم بسبب ارتفاع منسوب البحار.
وتعد مسألة تغير المناخ أكبر تحدٍ أمام حقوق الإنسان فى القرن الحادى والعشرين، حيث يهدد التمتع الكامل بمجموعة واسعة من الحقوق، تشمل الحق فى الحياة والصحة والماء والغذاء والسكن والتنمية وتقرير المصير. فمع تزايد متوسط درجات الحرارة العالمية، تزداد حالات وفاة الأشخاص وإصابتهم وتشردهم من جراء كوارث مرتبطة بالمناخ كالأعاصير المدارية، مثلما تزداد حالات الوفاة من جراء موجات الحرارة والجفاف والمرض وسوء التغذية. وعموما، كلما ارتفع متوسط درجة الحرارة، تضاعفت الآثار على الحق فى الحياة والحق فى الصحة، وعلى حقوق الإنسان الأخرى. وتعد أكثر الفئات عرضة للخطر هم العاملون فى الزراعة والبناء، فضلا عن الأطفال وعديمى المأوى والمسنين والمرأة.
• • •
سيؤدى تغير المناخ إلى تفاقم مشكلة الحصول على مياه الشرب المأمونة، التى يُحرم منها حاليا نحو 1.1 مليار شخص. وتذهب التقديرات إلى أن حوالى 8 فى المائة من سكان العالم سيعانون من نقص حاد فى الموارد المائية إذا ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بدرجة مئوية واحدة، وستنتقل هذه النسبة إلى 14 فى المائة إذا ارتفع هذا المتوسط بدرجتين مئويتين. وبوجه أعم، يُتوقع أن يؤدى تغير المناخ إلى الحد من توافر المياه فى أغلب المناطق شبه المدارية الجافة وزيادة وتيرة الجفاف فى العديد من المناطق الجافة أصلا، من جراء تناقص هطول الأمطار وتقلص تراكم الثلوج، وزيادة التبخر، وتلوث موارد المياه العذبة بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر.
وفيما يتعلق بالحق فى الغذاء، فإن تغير المناخ يقوض بالفعل قدرة بعض المجتمعات على إطعام أفرادها، وسيزداد عدد هذه المجتمعات المتأثرة بارتفاع درجات الحرارة. وتشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى احتمال تأثر جميع جوانب الأمن الغذائى بتغير المناخ، بما فى ذلك الحصول على الأغذية واستخدامها واستقرار أسعارها. ومن المرجح أن يؤثر تغير المناخ سلبا على إنتاج المحاصيل الرئيسية، مثل القمح والأرز والذرة، فى المناطق المدارية والمناطق المعتدلة على السواء.
ويؤثر تغير المناخ بالفعل على الحق فى الصحة بطرق عديدة، منها التسبب فى الوفاة والمرض نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة التى تزداد تواترا، مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات وتعطل النظم الغذائية، وزيادة الأمراض الحيوانية والأمراض المنقولة بالأغذية والمياه، ومشاكل الصحة النفسية. وبالإضافة إلى ذلك، يقوض تغير المناخ العديد من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، مثل سبل العيش والمساواة وإتاحة الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعى. وتؤثر مخاطر تغير المناخ على صحة أكثر الفئات ضعفا وحرمانا، بمن فى ذلك المرأة والأطفال والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة والأشخاص المهاجرون وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ظروف صحية مزمنة.
ولتغير المناخ آثار سلبية وخيمة على الحق فى السكن، فحسب توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ، فسيكون لارتفاع مستوى البحر والعواصف تأثير مباشر على الكثير من المستوطنات الساحلية والمستوطنات الواقعة فى المناطق الكبرى المنخفضة. والدليل على ذلك هو تأثر ملايين الأشخاص والمنازل بالفيضانات فى السنوات الأخيرة، مما أصبح يهدد على المدى الطويل وجود عدد من الدول الجزرية الصغيرة.
إن أسوأ آثار تغير المناخ تكون أشد على شرائح السكان التى تعيش أصلا فى حالة ضعف بسبب عدد من العوامل ومنها الجغرافيا أو الفقر أو الجنس أو السن أو الانتماء إلى الشعوب الأصلية أو إلى الأقليات أو الأصل القومى أو الاجتماعى أو مكان المولد أو أى وضع آخر، أو بسبب الإعاقة. ووفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن الأشخاص المهمشين اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو سياسيا أو بأى شكل آخر يتأثرون بوجه خاص من تغير المناخ وكذلك من بعض إجراءات التكيف والتخفيف. وترى الهيئة أن الآثار المستقبلية لتغير المناخ، فى الأجلين القصير والطويل، وفقا للسيناريوهات التى يتوقع معظمها ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بدرجتين مئويتين، ستؤدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادى ووتيرة الحد من الفقر، وزيادة تقويض الأمن الغذائى، وستوقع مزيدا من الفئات فى براثن الفقر ولا سيما فى المناطق الحضرية وبؤر المجاعة الناشئة.
وسيساهم تغير المناخ فى الهجرة القسرية، ولكن القدرة على الهجرة ترتبط فى كثير من الأحيان بسهولة التنقل وتوافر الموارد. وبالتالى، قد تعجز الفئات الأكثر ضعفا عن الهجرة، فيُضطرون إلى البقاء فى أماكن معرضة للأضرار الناجمة عن تغير المناخ. أما هؤلاء الذين يهاجرون بالفعل، فقد يكونون بوجه خاص عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان، لأن هجرتهم غالبا ما تكون فى إطار غير قانونى.
• • •
يشكل تغير المناخ تهديدا حتى لوجود بعض الدول الجزرية الصغيرة. فالاحترار العالمى يرفع منسوب مياه المحيطات ويذيب المناطق الجليدية، مما يؤدى إلى ارتفاع مستويات سطح البحر. وقد يُحوّل تغير المناخ الجزر إلى أماكن غير صالحة للسكن قبل أن تغمرها المياه بمدة طويلة، من جراء تزايد وتيرة وحدة المد العاصفى أو بسبب اجتياح مياه البحر لمواردها من المياه العذبة. وإذا اضطر سكان الدول الجزرية الصغيرة إلى إخلائها والبحث عن مأوى جديد، فستكون لذلك آثار وخيمة على حقوقهم الإنسانية، بما فيها حقهم فى تقرير المصير وفى التنمية.
ويهدد تغير المناخ أيضا بتدمير كائنات حية أخرى تشاركنا كوكب الأرض. فقد خلصت دراسة إلى احتمال تعرض ما بين 20 فى المائة إلى 30 فى المائة من أنواع النباتات والحيوانات لخطر الانقراض إذا ارتفعت معدلات الحرارة العالمية بأكثر من درجتين إلى ثلاث درجات مئوية، كما أن فقدان التنوع البيولوجى يمكن أن يؤدى إلى زيادة انتقال الأمراض المعدية إلى البشر.
• • •
تقع على الدول بوجه خاص التزامات بالحماية من المساس بحقوق الإنسان من جراء تغير المناخ. وينبع هذا الاستنتاج من طبيعة التزاماتها بالحماية من الضرر البيئى عموما. فقد نصت الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على أن تحمى الدول من الضرر البيئى الذى يُتوقع أن يعرقل حقوق الإنسان سواء أكان هذا الضرر البيئى يشكل انتهاكا لقانون حقوق الإنسان أم لا، وسواء أكانت الدول سببا مباشرا فيه أم لا. ومن الأمثلة التى توضح ذلك قضية عُرضت على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فى عام 2008 بشأن الانهيار الوحلى الذى وقع فى منطقة القوقاز وأودى بحياة عدد من سكان بلدة تيرنوز. فالحكومة لم تتسبب فى الانهيار، ولكن المحكمة رأت أنها مسئولة مع ذلك عن اتخاذ الخطوات المناسبة لصون حياة الأشخاص الموجودين فى إقليمها.
وذهبت المحكمة إلى أن الحكومات ملزمة بوضع أطر قانونية مصممة للتصدى الفعال للتهديدات التى تشكل خطرا على الحق فى الحياة من جراء الكوارث الطبيعية، فضلا عن الأنشطة البشرية الخطرة. ومع أن لكل دولة سلطة تقديرية لاختيار تدابير وقائية معيّنة، فإن تلك السلطة التقديرية التى تتمتع بها الدولة ليست مطلقة. ورأت المحكمة أنه عندما تقع خسائر فى الأرواح فى ظروف قد تُلزم الدولة بتحمل المسئولية، يجب على الدولة أن تتخذ إجراءات كافية لمواجهة الكارثة، لضمان التنفيذ السليم للإطار القانونى المصمم لحماية الحق فى الحياة.
• • •
إن تغير المناخ هو قضية اجتماعية واقتصادية وأمنية وإنسانية، له آثار وخيمة على حقوق الإنسان، بشكل مباشر وغير مباشر على المستوى الفردى والجماعى، وأن آثاره السلبية تتوزع على نحو غير متكافئ، إذ تؤثر تأثيرا مفرطا على أفقر المناطق والدول، وتتعدى آثاره الأجيال الحالية لتمس حتى بحقوق الأجيال اللاحقة. وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على أهمية التصدى لتهديدات حقوق الإنسان الناجمة عن تغير المناخ، وضرورة اتخاذ تدابير مناسبة تتسق مع الأهداف الشاملة لحقوق الإنسان.