السيسى ..وعباءة عبد الناصر
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 سبتمبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لم أفهم أبدا سر هذا الهوس الذى يصيب الكثيرين وهم يشبهون الفريق عبد الفتاح السيسى بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، دون أن يراعوا "فروق التوقيت" بين الرجلين ،ولا عوامل التعرية التى ضربت النظرية السياسية الناصرية ، ودون أن يلاحظوا أن تجربة عبد الناصر لم يعد لها مكان سوى متاحف التاريخ ، حيث يمكن فقط أخذ العبر والعظات، أو حتى سكب العبرات ، لا محاولة استنساخها وتطبيقها مرة أخرى!
جوهر التجربة الناصرية يعادى من حيث المبدأ فكرة التعددية الحزبية ، حيث انطلقت هذه التجربة فى أوج نضجها السياسى ، من فكرة "تحالف قوى الشعب العامل "وهم الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية، تحت لافتة الإتحاد الإشتراكى ، وهو التنظيم السياسى الوحيد الذى كان مسموحا له بالعمل ، بل كان أعلى سلطة فى البلاد بحكم الدستور آنذاك ، وهو ما يفرض على الناصريين الآن خيارين لا ثالث لهما ، إما ان يعلنوا تمسكهم بفكرة التحالف ويرفضون التعددية الحزبية ، أو أن يتمسكوا بالتعددية وساعتها سيفقدون أى انتماء حقيقى لعبد الناصر!
ومع سقوط فكرة " التحالف" تاريخيا ، فإن النظرية السياسية الناصرية ، أصبحت مجرد سراب، ولا محل من الإعراب فى قاموسنا السياسى الراهن ، بمكوناته الحزبية ونقاباته المستقلة وصحافته الحرة ومنظماته الحقوقية والمدنية ، ومن هنا فان الذين يتخيلون أن السيسى هوالطبعة الجديدة لناصر الخمسينات والستينات إنما يجرون وراء وهم كبير، فالناصرية ماتت برحيل عبد الناصر ، والسيسى مهما كانت قدراته لن يستطيع إعادة عقارب الساعة للوراء..!
أما الممارسة السياسية للنظام الناصرى ، فلا أحد يستطيع الدفاع عن خطاياه المروعة فى مجال حقوق الإنسان ، وقمعه للحريات ، والبطش بمعارضيه ، وتأميمه للسياسة ، واعتماده على الدولة البوليسية وعلى أهل الثقة لا أهل الخبرة ، وإقصائه بمنتهى العنف للطبقات الشعبية من المسرح السياسى ، رغم أنه من المفترض أنه كان يعبر عنها ويحقق مصالحها ، وهى كلها سياسات أدت إلى نكسة يونيو 67 ،التى فتحت بدورها الباب أمام التيار اليمينى فى النظام الناصرى بقيادة السادات ، لكى يؤسس نظاما سياسيا نال تأييد الغالبية العظمى من المصريين ،رغم انه مناقضا تماما لكل ما كان ينادى به عبد الناصر ..وهى قضايا مهمة، لكنها على ما يبدو لا تشغل بال المهووسين بتشبيه السيسى بعبد الناصر، بل ومطالبته بأن يعيد هذه التجربة !!
أتصور أن الفريق السيسى لا ينقصه الذكاء لكى يدرك – للأسباب السالف ذكرها - أنه لن يستطيع أن يعيش فى جلباب عبد الناصر، فهو لا شك يدرك أن معركته الحقيقية الآن هى الوقوف بجانب الغالبية العظمى من المصريين لبناء دولة الحرية والعدالة الإجتماعية ، واستلهام روح ثورتى ينايرالتى أطاحت بالاستبداد السياسى والفساد الإقتصادى ، ويونيو التى أطاحت بمافيا الإخوان والفاشية الدينية فى أسوأ صورها .
فالمعركة التى يواجهها المصريون الآن هى بناء نظام سياسى ديمقراطى جديد ووضع دستور يليق بهم وبثورتهم ، وبالتاكيد سيكون للسيسى بحكم التفويض الذى حصل عليه من المصريين دورمهم فيها ، بعد أن اكتظ سوق النخبة السياسية فى مصر بالمغامرين والنصابين وأنصاف الموهوبين وراغبى السلطة..وهى معركة لن ينجح فيها السيسيى إلا بابتعاده عن مصيدة الناصريين ، وفخ عسكرة الحكم فى مصر !