هل يمكن إنقاذ الضفة من مشروع التهجير؟

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 - 6:40 م بتوقيت القاهرة

بعض المحليين يقارنون بين لهجة رئيس الوزراء الإسرائيلى الخشنة فى التصريح ضد مصر بعد تمسكه بالسيطرة على محور فيلادلفيا وبين تصريحه الناعم ضد الأردن غداة زيارته لغور الأردن يوم 11 سبتمبر الحالى. ويظنون أن السر وراء هذا التباين مرتبط بوجود قواعد عسكرية غربية فى الأردن تحتم على نتنياهو تخفيض حدة خطابه. فات هذه المقارنة الربط بين ارتفاع حدة التصريحات ومراحل عمل القوات الإسرائيلية. فقبل الاقتراب من محور فيلادلفيا كان خطاب القيادة الإسرائيلية مفعما بالتأكيد على السلام مع مصر، وبعد السيطرة على المحور تحول الخطاب إلى إلقاء الاتهامات، الأمر الذى استوجب ردود فعل حاسمة من الجانب المصرى على لسان وزير الخارجية بدر عبد العاطى، الذى وصف الادعاءات الإسرائيلية بتهريب السلاح عبر الأنفاق أسفل المحور بالأكاذيب. كما قام رئيس أركان القوات المسلحة المصرية بزيارة الحدود للتأكيد على جاهزية مصر لكل السيناريوهات. ونفس الشىء يتكرر على الجانب الأردنى الذى استبق تحركات نتنياهو وصرح على لسان وزير الخارجية الأردنى بأن سياسة التهجير من الضفة إلى الأردن مرفوضة وهى بمثابة إعلان الحرب. ولكن التصعيد الإسرائيلى مستمر فى الضفة، ولذلك نطرح السؤال، كيف نحافظ على الضفة من التدمير فى ظل هذا السيناريو القاتم؟

لن تتراجع إسرائيل عن تكرار سياسة الإبادة الجماعية فى الضفة وتحويلها إلى ركام على غرار غزة إلا إذا أجبرت على ذلك. تستطيع الأردن والدول العربية المساهمة فى فرملة إسرائيل عبر وقف الممر البرى من الأردن الذى يعتبر شريانا حيويا للإمدادات بالنسبة لإسرائيل لا تستطيع الاستغناء عنه. فلقد أوقف الحوثيون خطوط التجارة التقليدية من جهة البحر الأحمر، وأخرجوا ميناء إيلات عن العمل. وإذا استشعرت إسرائيل أن الممر البرى سيتوقف فإن ذلك سيكون ضربة قاصمة لا يتحملها الاقتصاد الإسرائيلى، وبالتالى تتعاظم الضغوط أمام حكومة اليمين الإسرائيلية وتجبر على تأجيل خططها بالنسبة للضفة الغربية. ولسنا بحاجة إلى استعراض ما سيحدث لو لم يتوقف الممر البرى، بل سيكون علينا أن نشاهد تطور العملية العسكرية الإسرائيلية التى بدأت باختراقات كبيرة فى جنين، وطولكرم، والخليل، وتتزايد بالتدريج لتشمل كل مدن الضفة المكتظة. وما يساعد إسرائيل على ذلك، اندلاع أعمال عنف فى الضفة تبرر رد الفعل غير المتناسب. فتهوى بيد البطش لجيش الاحتلال لتحصد أرواح الأبرياء وتدمر حياتهم، وتبيد البلدات تمهيدا لطرد أهلها والاستيلاء عليها. هذه السياسة ليست جديدة، وإنما هى ذات سياسة الاستيطان التى تتبعها الحكومة الإسرائيلية على مدى عقود. ولكن الفرق هذه المرة بعد اندلاع حرب 7 أكتوبر هو وتيرة التنفيذ الذى يجرى بكل تجبر ليحقق فى أشهر ما كان مخططا له فى عقود.

* • •

ولا يكفى فى هذا السياق أن تلوح الدول العربية بوقف التطبيع مع إسرائيل، ولا بمجرد المقاطعة، فما ترمى إليه إسرائيل لا يتوقف عند مسألة التهجير القسرى للفلسطينيين، بل يمتد ليعيد تشكيل قطاع كبير من خريطة المشرق العربى. ولو كان بعض الناس يظن أن هذا مجرد تحليل، فعليهم متابعة التصريحات الرسمية والتصرفات التى تصدر من أعضاء فى الحكومة الإسرائيلية الحالية، وأعضاء من أحزابهم، حتى من قبل حرب غزة الحالية. ولقد حدث تصعيد بين الأردن وإسرائيل فى مارس من العام الماضى، واستدعت الأردن السفير الإسرائيلى على خلفية استخدام وزير المالية الإسرائيلى خريطة لـ«إسرائيل» تضم حدود المملكة الأردنية والأراضى الفلسطينية المحتلة كدولة واحدة. وهذا توضيح يكشف عن نوايا الحكومة الإسرائيلية وما تخفيه من مخططات. وفى نفس السياق، لن يتوقف تأثير هذه المخططات على الأردن فقط، وإنما يمس بطريقة مباشرة الأمن القومى لكل دول الجوار للأردن الشقيق. وإذا كانت سوريا فى حالة مواجهة مزمنة أو تصدٍّ مستمر للغارات الإسرائيلية التى لا تنقطع منذ سنوات، فإن هذا الوضع سيتكرر فى جميع دول الجوار الأردنى، وسيؤثر على العراق، والمملكة السعودية بطريقة مباشرة.

تحدى الضفة هذه المرة لا يمس محور إيران وشركائها بطريقة مباشرة، وإنما يستهدف كل الدول العربية التى تؤمن بحل الدولتين، وما زالت متمسكة بالسلام كخيار استراتيجى. والمشكلة ليست فقط فى انهيار السلطة الفلسطينية، وابتلاع أرض الضفة، وإنما على التوازى تتفاقم مشكلة الأطماع الإسرائيلية فى المسجد الأقصى بحجة بناء كنيس يهودى فى باحته، تمهيدا لبناء الهيكل. وهذا السيناريو يدفع لصراع دينى، يضع الضغط على الدول العربية من طرفين. الأول، اليمين الحاكم فى إسرائيل، والذى يرى اللحظة مناسبة للإتيان بمثل هذا التصعيد الخطير. ويؤكد على هذا التحليل، الخمس زيارات التى قام بها وزير الأمن القومى الإسرائيلى للمسجد الأقصى، والتى كان آخرها يوم 26 أغسطس الماضى، والتى لم يكتف فى أثنائها بالصلاة، ولكن أكد على أنه يريد إقامة كنيس فى المسجد الأقصى. والثانى، هى الدول الإسلامية ذاتها والتى تضغط بالفعل على دول الجوار الإسرائيلى من أجل التصعيد نصرة لأبناء غزة، فما بالك بالضغوط حال استهداف الأقصى. وحتى لو لم تكن تلك الدول تقدم الكثير للقضية الفلسطينية إلا التصريحات، والكثير منها بالفعل على علاقة قوية بإسرائيل، فإن آخر ما نحتاجه فى الوقت الراهن هو شرخ فى العلاقات العربية الإسلامية.

* • •

وقف الإمداد اللوجستى إلى إسرائيل عبر ممر الأردن، وتغيير الخطط التنموية المرتبطة بالشرق العربى لكى تبعد عن إسرائيل، تعتبر أسلحة فتاكة فى وقتنا الحالى. فمن ناحية هذه الأدوات تضغط على الاقتصاد الإسرائيلى المتأزم منذ حرب غزة، ومن ناحية أخرى تؤكد للشعب الإسرائيلى بأن المنطقة ترفض مخططاتهم للتمدد فى المنطقة العربية. ولقد اقترب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ظل استمرار حرب الإبادة فى غزة التى توشك أن تنهى عامها الأول. ومن المناسب جدا الإعلان عبر منبر الأمم المتحدة عن هذه الخطوات العربية، ليس فقط نصرة للحقوق العربية، ولكن أيضا منعا لمزيد من التدهور فى الشرق العربى. هذا وبوسع الدول العربية الانضمام إلى القضية التى حركتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد حرب الإبادة الإسرائيلية. وهذه الخطوات الاقتصادية، والقانونية، والدبلوماسية، تلتزم جميعها بالشرعية الدولية، وبعيدة عن لغة السلاح والحرب والمواجهات التى تريد حكومة اليمين الإسرائيلية نشرها فى المنطقة، من أجل نشر الفوضى لكى تتوه القضية. أما التأخير فى تبنى هذه السياسات أو ما شابهها لفرملة التصعيد الإسرائيلى سينتج عنه إتاحة الفرصة كاملة لكى تنفذ إسرائيل مخططاتها. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved