فوز الرئيس الجزائرى تبون بولاية ثانية
رخا أحمد حسن
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
أجريت الانتخابات الرئاسية الجزائرية السابعة منذ استقلال الجزائر عن فرنسا فى 5 يونيو 1962 يوم 7 سبتمبر 2024. وتنتهى الفترة الرئاسية الحالية للرئيس عبد المجيد تبون فى 19 ديسمبر 2024، حيث أدى اليمين الدستورية لأول فترة رئاسية له فى 19 ديسمبر 2019، عقب فترة اضطرابات عصيبة أدت إلى استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد أن أمضى 20 عاما فى منصب رئيس الجمهورية. وقد رأى الرئيس تبون أن يبكر بانتخابات الرئاسة ثلاثة أشهر عن الموعد الذى تمت فيه من قبل فى 12 ديسمبر 2019، وأوضح تبون أن أسباب تبكير موعد الانتخابات تقنية محضة، بمعنى أن تجرى الانتخابات بمرحلتيها الأولى والإعادة، إذا استدعت النتائج ذلك، قبل انتهاء فترة الرئاسة الحالية ومدتها خمس سنوات.
ويشترط حصول من يترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية على 600 توقيع على الأقل من المنتخبين فى مجالس محلية أو البرلمان فى 29 ولاية من إجمالى 58 ولاية جزائرية، أو على ما لا يقل عن 50 ألف توقيع لمواطنين مسجلين على القوائم الانتخابية، على أن يكون 1200 توقيع منها على الأقل من كل ولاية. ومن تقدم للترشيح 16 مرشحا، واعتمدت المحكمة الدستورية الجزائرية ثلاثة مرشحين فقط فى 31 يونيو 2024. وانطلقت الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة فى 15 أغسطس 2024 وانتهت فى 3 سبتمبر 2024، التزاما بفترة الصمت الانتخابى قبل يوم الاقتراع العام بنحو ثلاثة أيام. ووضعت الهيئة المستقلة للانتخابات حدا أقصى لإنفاق كل مرشح على حملته الانتخابية فى الجولة الأولى ما يعادل 890 ألف دولار أمريكى، وفى الجولة الثانية ما يعادل نحو مليون دولار أمريكى، ولم تجرَ هذه المرة جولة ثانية لفوز الرئيس تبون بتفوق فى الجولة الأولى.
والمرشحون الثلاثة هم عبد العالى حسانى شريف، وهو رئيس أكبر حزب إسلامى فى الجزائر بميول إخوانية، حركة مجتمع السلم الإسلامية، وهو مهندس تخصص مدنى، وليسانس فى العلوم القانونية والإدارية، وعمره 59 عاما، وكان نائبا فى البرلمان الجزائرى فى الفترة من 2007-2012. والمرشح يوسف أوشيش وعمره 41 عاما من مواليد تيزى أوزو فى منطقة القبائل، بكالوريوس علوم سياسية والعلاقات الدولية، وعمل صحفيا فى الفترة من 2002 إلى 2012. ويرأس جبهة القوى الاشتراكية منذ يوليو 2020. والمرشح عبد المجيد تبون، الرئيس الحالى والذى كان عضوا فى جبهة التحرير الوطنى الجزائرية التى حكمت الجزائر لفترة طويلة كقوة سياسية مسيطرة إلى أن تقدمت الأحزاب السياسية الأخرى. وتولى تبون عدة مناصب وزارية ورأس الحكومة لفترة قصيرة فى عهد الرئيس بوتفليقة. ولكنه قدم نفسه فى انتخابات 2019 وانتخابات 2024 على أنه مرشحا مستقلاً للنأى بنفسه عن الانتقادات التى وجهت لجبهة التحرير الوطنى، وكثرة تهم الفساد لعدد من قياداتها البارزين خاصة فى السنوات الأخيرة لحكم الرئيس بوتفليقة.
• • •
وقد قدم المرشحون الثلاثة عدة تعهدات فى حملاتهم الانتخابية؛ حيث وعد الرئيس تبون بزيادات جديدة فى الأجور والمرتبات، ومعاشات المتقاعدين، والتعويضات عن البطالة، وبناء مليونى مسكن فى إطار مشروع الإسكان الاجتماعى المدعوم من الحكومة، وزيادة الاستثمارات لإتاحة نحو 400 ألف فرصة عمل، والعمل على جعل اقتصاد الجزائر ثان أكبر اقتصاد فى إفريقيا بعد جنوب إفريقيا، وإعطاء الشباب المكانة التى يستحقونها. واستكمال تنفيذ مشروع الجزائر الجديدة خلال ولايته الثانية، لأن جائحة كورونا أعاقت استكماله خلال ولايته الأولى.
وأن منحة البطالة الشهرية انتظمت منذ عام 2022، وتقدم للشباب الذين تبلغ أعمارهم ما بين 19 إلى 40 عاما وتعادل قيمتها نحو 135 دولارا أمريكيا، وهى تتساوى تقريبا مع الحد الأدنى للأجور فى الجزائر، وتمول من عائدات الغاز الطبيعى. ويمثل الشباب أقل من 30 سنة نحو نصف سكان الجزائر، حيث يبلغ عددهم نحو 23 مليون نسمة، ويعانون من البطالة خاصة بين خريجى المعاهد والجامعات، والتى يبلغ معدلها نحو 12% من إجمالى القوى العاملة فى الجزائر، وهو ما يدفعهم إلى الهجرة غير الشرعية وما تحمله من مخاطر على حياتهم ومستقبلهم.
وقد تعهد المنافسان الآخرين شريف وأوشيش بمنح الجزائريين مزيدا من الحريات، وتعهد أوشيش بالإفراج عن سجناء الرأى بعفو رئاسى ومراجعة القوانين الجائرة، والعمل على تفعيل جعل اللغة الأمازيجية لغة ثانية فعلاً فى الجزائر وفقا لنص الدستور فى عام 2016 حيث إن استخدامها ما يزال محدودا. أما شريف، فدافع عن الحريات التى يرى أنه تم تقليصها إلى حد كبير فى السنوات الأخيرة، وأبدى اهتماما خاصا بضرورة إجراء إصلاحات دستورية عميقة تمنح صلاحيات واسعة للبرلمان، وجعل الجزائر دولة محورية فى المنطقة فى السنوات القادمة. وحرص أوشيش على مناشدة المؤسسة العسكرية الجزائرية، باعتبارها مؤسسة وطنية تمثل كل طوائف وفئات الشعب الجزائرى وتحظى بكل الاحترام والتقدير، على الحياد وضمان حرية ونزاهة الانتخابات.
• • •
ولوحظ تركيز المرشحين الثلاثة فى دعاياتهم الانتخابية على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتعهدوا بالعمل على تحسين القدرة الشرائية، وتنويع الاقتصاد الجزائرى ليصبح أقل اعتمادا على عائدات البترول والغاز الذى تمثل عائداته نحو 95% من موارد الدولة من العملات الأجنبية. وتعد الجزائر أكبر دولة مصدرة للغاز فى إفريقيا، وتعتمد على عائداته لدعم البنزين والكهرباء والخدمات الصحية والاجتماعية وعدد من السلع الأساسية. وثمة توافق بين المرشحين الثلاثة إزاء الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعن استقلال الصحراء الغربية (البوليساريو) الذى تؤيده رسميا الجزائر، ويقابل ذلك تمسك المغرب بتبعية الصحراء الغربية له وأن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه مجرد حكم ذاتى. وهذه القضية من أهم مصادر الخلاف والمنازعات بين الجزائر والمغرب.
ومنذ بداية الإعلان عن الانتخابات الرئاسية، والرئيس تبون واثق من الفوز لأنه مدعوم من أكبر الأحزاب السياسية فى الجزائر، وهى جبهة التحرير الوطنى العتيدة وما لديها من خبرات سياسية ودعم عسكرى، وجبهة المستقبل، والتجمع الوطنى الديمقراطى، وغيرها من أحزاب وشخصيات عامة، وتتمتع هذه الأحزاب بأغلبية مريحة فى البرلمان الجزائرى. كما أن الرئيس تبون يتمتع بميزة أخرى فهو من أب أمازيجى وأم عربية، وهو مزيج يجعل له قبولاً لدى القبائل ذات الأصول العربية والأمازيجية على حد سواء.
وصرح الرئيس تبون عقب الإدلاء بصوته بأن الحملة الانتخابية كانت نظيفة جدا، وأن المرشحين الثلاثة كانوا على المستوى وأعطوا صورة مشرفة جدا عن الجزائر والديمقراطية وتمنى أن تكون قدوة للآخرين، وأن الجزائر جزء لا يتجزأ من العالم العربى، والإفريقى، والمتوسطى، وأنها أمام مرحلة مفصلية، وأن من سيفوز سيواصل المشوار المصيرى للدولة والشعب لتعزيز الحقوق وبناء ديمقراطية حقة وليس ديمقراطية الشعارات، وأنه سيعمل على تلبية كل طلبات المواطنين الجزائريين.
وصرح رئيسى حملة المنافسين الآخرين بأنه حدثت بعض التجاوزات تمثلت فى ضغوط على بعض رؤساء اللجان الانتخابية للمبالغة فى أعداد الذين أدلوا بأصواتهم كما كان هناك تصويت جماعى بتوكيلات، واتهام الإعلام بعدم المساواة فى تناول حملات المرشحين. ووصف بعضهم الانتخابات بأنها مهزلة تشوه سمعة الجزائر خاصة فيما يتعلق بما أعلن عن نسبة المشاركة وتعارضه مع ما هو مسجل فى محاضر اللجان الانتخابية التى رفض تسليم صور منها لمندوبى المرشحين.
• • •
وقد أعلنت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات النتائج يوم 8 سبتمبر 2024، حيث حصل الرئيس تبون على نسبة 94% من إجمالى الأصوات الصحيحة وهى نحو 5,6 مليون ناخب، وحصل عبد العالى حسانى شريف على 3,17% وحصل يوسف أوشيش على 2,16%. ولم يوضح رئيس الهيئة تفاصيل أكثر عن المشاركين والأصوات الصحيحة والأصوات الباطلة واكتفى بذكر أن نسبة المشاركة 48%، بينما الأصوات الصحيحة لم تتجاوز 5,6 مليون ناخب، وهو ما أثار لغطا شديدا على مستوى المرشحين والإعلام. وهو ما أدى لأول مرة فى تاريخ الانتخابات إلى أن يصدر المرشحون الثلاثة (تبون، وشريف، وأوشيش) بيانا مشتركا يستنكرون فيه البيانات التى أعلنها رئيس هيئة الانتخابات والتى اتسمت بالتناقض والضبابية، وأثارت استياء عاما.
ويلاحظ أن كثيرا من الناخبين، خاصة الشباب، قاطعوا الانتخابات كل لأسبابه، لاعتقادهم أن نتيجة الانتخابات محسومة من قبل إجرائها وأن مشاركتهم لا تأثير لها، أو لعدم الرضا عما تحقق من وعود خلال الفترة الماضية واستمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وغلاء المعيشة، والبطالة بين الشباب. كما أنه لا وجه للمقارنة بين ما حصل عليه الرئيس تبون من أصوات، وما حصل عليه المنافسان الآخران، الأمر الذى يجعل أى شكوى غير مؤثرة.
ويتوقع استمرار سياسات الرئيس تبون بتشجيع التنمية الاقتصادية والاستثمار والتجارة لتنويع مصادر الإنتاج وتخفيض نسبة البطالة، والحد من التضخم، والحد من هجرة الشباب للخارج. كما يتوقع عدم حدوث تغيير كبير فى السياسة الخارجية على المستوى العربى والإفريقى، مع بذل مساع لتحسين العلاقات مع فرنسا، ومراوحة العلاقات الجزائرية ــ المغربية مكانها من قطع العلاقات والتوتر بينهما، إلا إذا استطاعت أطراف أخرى حلحلة الموقف وإحداث انفراجة لصالح مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.