كان موقع كارنيجى قد نشر مقالا للباحث «مروان المعشر» يتحدث فيه عن العلاقة بين الفساد والتنمية. يقول فى بداية مقاله إن العديد من الدراسات العالمية التى أجريت فى العشرين سنة الأخيرة قد أظهرت، وبالأرقام، مدى تأثير الفساد الذى يمارسه البعض على خفض معدلات التنمية، وبالتالى إلحاق الضرر بالمجتمع كله. كما أظهرت العديد من استطلاعات الرأى التى أجريت بعد الثورات العربية العام 2011، أن موضوع الفساد يحتل أولوية عليا لدى قادة الرأى وأفراد المجتمع على حد سواء، كأحد أهم التحديات التى تواجه المنطقة فى هذه المرحلة.
فى محاولة لإظهار علاقة الفساد بالثورات العربية رقميا، نظر المعشر إلى مؤشر «مدركات الفساد» الذى تقوم بإصداره منظمة الشفافية الدولية لنحو 180 دولة سنويا، وتقوم فيه بقياس انطباع العامة عن الفساد فى بلادها، ثم تقوم بترتيب الدول من 1 (الأقل فسادا) إلى نحو 180 (الأكثر فسادا). ويقول إنه فى حين أن دقة المؤشر غير تامة، إلا أن مقارنة ترتيب الدولة عبر السنين يعطى فكرة جيدة عن مدى نجاحها أو عدمه فى محاربة الفساد.
يستطرد الباحث قائلا إنه إذا نظرنا إلى مؤشر ثلاث دول عربية فى العقد الذى سبق الثورات العربية، أى الأعوام 2000ــ2010، وهى مصر وتونس والأردن، خاصة أن هذه الدول الثلاث اعتمدت إصلاحات اقتصادية كبيرة خلال ذلك العقد، من دون مصاحبتها بإصلاحات سياسية تقوى السلطتين التشريعية والقضائية، وتمنحهما فرصة لمراقبة ومحاسبة التجاوزات التى ترافق عملية الإصلاح الاقتصادى، تبدو النتائج مثيرة للاهتمام.
فقد قفز ترتيب مصر من رقم 63 العام 2000 إلى 98 فى العام 2010. بينما قفز ترتيب تونس من 32 إلى 59، وترتيب الأردن من 39 إلى 50، خلال الفترة نفسها.
لا عجب، إذن، أن شهدت مصر وتونس ثورات عارمة؛ إذ إن المؤشر لكل منهما ارتفع بشكل كبير؛ أى أن الانطباع عن وجود الفساد ازداد بشكل ملحوظ، فيما كان التدهور أقل حدة فى الأردن (ولو أنه واصل ارتفاعه ليصل المؤشر إلى أقصاه فى العام 2013، وهو 66).
وهنا يتساءل المعشر عما يعنيه كل هذا؟ بداية، أصبح من الواضح عدم نجاح السياسات التى تركز على الإصلاح الاقتصادى من دون السياسى، لأنه إضافة لعدم نجاحها فى البلدان الثلاثة فى تخفيض البطالة أو الدين العام، أو تحسين نوعية الخدمات التعليمية والصحية، فإن هذه السياسات أدت إلى ارتفاع ملحوظ فى مؤشر الفساد، إلى درجة أصبح العديد من عامة الشعب فيها يقرنون الإصلاح الاقتصادى بالفساد، وليس بتحسين نوعية الحياة. وكما أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية للأمم المتحدة العام 2004، «كادت معادلة الخبز قبل الحرية أن تنتهى إلى افتقاد عامة العرب إلى الخبز والحرية كليهما».
ثانيا، لا يمكن الاستمرار فى قبول هذه المعدلات العالية لمؤشر الفساد فى الأردن. وليس مقبولا أن يكون هذا المؤشر اليوم (ترتيب الأردن كان 53 فى العام 2015) أعلى مما كان عليه قبل عقد من الزمن (33 فى العام 2003). هناك حاجة لتشريعات أكثر فاعلية وصرامة مما هى عليه، إضافة لإرادة سياسية أقوى من الحكومة، إن كانت هناك رغبة لمحاربة مؤسسية منهجية للفساد، بعد أن بات المواطن يتساءل كيف يمكن أن يكون هناك فساد من دون وجود فاسدين؟ من منا يستطيع اليوم إنكار الفساد «الصغير» الذى بدأ يتفشى فى مجتمعنا بعد انتشار الواسطة والمحسوبية، وأحيانا دفع الرشاوى الصغيرة لإنجاز المعاملات؟
يختتم المعشر المقال بأنه يمكن للإصلاح الاقتصادى أن ينجح لدينا، لكن ليس باعتماد النماذج التى طبقت سابقا، والتى أهملت الإصلاح السياسى برمته؛ لأن غياب تطوير نظام من الفصل والتوازن، وإهمال تقوية المؤسسات التشريعية والقضائية، يعنيان ارتفاع الفساد، بما يؤدى إلى تخفيض معدلات النمو، والشعور بالإحباط والكبت وعدم المساواة، والتبعات جميع التى تنتج عن ذلك.