مقارنة بين المشهد الانتخابى فى 2005 و2010
بهي الدين حسن
آخر تحديث:
الأربعاء 17 نوفمبر 2010 - 11:14 ص
بتوقيت القاهرة
فى عام 2005 لم يكن الرئيس حسنى مبارك كمرشح وحيد محتمل للنظام الحاكم محلا للجدال، بينما تتوالى المؤشرات منذ بداية عام 2010، التى تفترض أن مبارك ربما لن يكون بإمكانه خوض الانتخابات الرئاسية لأسباب تتعلق بتقدم العمر أو بالحالة الصحية، أو لأن جمال مبارك يعتقد أن فرصته الوحيدة لتولى الحكم هى باستلامه فى وجود والده، أو لأن هناك قسما من النخبة الحاكمة صار يعتقد أن الرئيس مبارك قدم كل ما لديه، وأنه ليس من صالح النخبة الحاكمة أو نظام الحكم استمراره فى الحكم، حتى لو أن حالته الصحية تسمح بذلك. ولكن المشكلة أن ذلك يحدث فى نفس الوقت الذى يعجز فيه نظام الحكم عن أن يقدم شخصية ثانية، يمكن أن تحوز توافق النخبة الحاكمة على ترشيحها رئيسا.
إن أزمة النظام الحاكم فى التوافق على مرشح وعلى مشروعية جديدة، هى مصدر لصراع داخلى مكتوم، وتوتر حاد، خاصة أن هذا النظام فشل فى كل مناسبة على مدار 58 عاما، فى أن يحسم بوسائل سياسية خلافات مشابهة بين مختلف الأطراف داخل نخبة الحكم.
إن اختلاف البيئة الدولية فى عام 2005 عنها فى عام 2010 هو عنصر مهم آخر فى تشكيل ملامح المشهد السياسى للانتخابات. فى عام 2005 كان المجتمع الدولى يضع على رأس أولوياته قضايا الإصلاح السياسى فى مصر والعالم العربى ــ كرد فعل على هجمات 11/9 ــ ولذا توالت المبادرات الدولية من أجل الإصلاح، من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، ومجموعة دول الثمانى. وآل هذا الاهتمام فى مصر إلى المساعدة على وضع حدود للقمع المكشوف فى مناسبات معينة، وبالتالى توسيع هامش الحركة أمام المجتمع المدنى والجماعات السياسية حينذاك، وميلاد عدد من الصحف المستقلة ثم القنوات الخاصة، والتحول من نظام الاستفتاء على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية إلى انتخابات رئاسية تعددية.
فى 2010 لم يعد الإصلاح السياسى على جدول أعمال المجتمع الدولى، وبالتالى لا يجد نظام الحكم نفسه تحت ضغط جدى. وأنه حتى لو كانت الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون الأسوأ خلال 58 عاما، فإن الأمر لن يتجاوز كلمة نقد هنا وهناك، مثلما حدث فى فضيحة «لا انتخابات» مجلس الشورى فى يونيو الماضى.
ولدت ظاهرة الصحافة المستقلة فى مصر فى عام 2004، وشهدت نفس الفترة ميلاد عدد من القنوات الخاصة التى بدأت حينذاك تهتم على استحياء بالشأن العام، كما بثت الجزيرة للعالم مشاهد حية للقمع واسع النطاق والتدخل الأمنى السافر الذى اكتسح النصف الثانى من جولات الانتخابات البرلمانية فى 2005.
ولكن عام 2010 يسير فى الاتجاه المعاكس، حيث جرى تقويض «الدستور» أكثر الصحف المستقلة نقدا للنظام الحاكم، ووقف بعض البرامج الحوارية، أو وقف مديريها، وإنذار قنوات ذات طبيعة إخبارية، وتقييد مزاولة الفضائيات للبث الحى المباشر للأحداث. هذا فضلا عن تقييد الرسائل الإخبارية المجمعة من خلال التليفون المحمول. فى نفس الوقت الذى تتزايد فيه شكوى الصحفيين فى الصحف المستقلة والمعارضة من أن الهاجس الأمنى يتزايد تأثيره على تحريرها.
إن انتخابات 2010 سيكون عليها منذ اللحظة الأولى أن تشق طريقها وسط الظلام، بل وأيضا فى غياب الإشراف القضائى، وقد تفتقر أيضا لمراقبة منظمات حقوق الإنسان، على نفس النحو الذى تم به إقصاء هذه المنظمات من مراقبة انتخابات مجلس الشورى فى يونيو من هذا العام.
فى انتخابات 2005، اكتفى نظام الحكم بترضية أحزاب المعارضة الرسمية «الأليفة» بمقاعد محدودة، حيث كانت الصفقة الرئيسية من نصيب جماعة «الإخوان المسلمين» ـ مثلما اعترف بذلك لاحقا المرشد العام للجماعة وقتها ـ بهدف تمثيلها فى البرلمان بطريقة لا تنتقص من الأغلبية الساحقة للحزب الحاكم وأنصاره، ولكن بما يكفى لإحداث الصدمة المستهدفة للمجتمع الدولى، لكى يدرك أن البديل الوحيد لنظام الحكم الحالى هو الإسلاميون، ومن ثم يتخلى عن اهتمامه بالإصلاح السياسى.
حققت جماعة الإخوان المسلمين انتصارا تكتيكيا بحصولها على نحو 20% من مقاعد البرلمان، دون أن يساعدها ذلك على وقف تشريع واحد أو تعديله، بينما حقق نظام الحكم مكسبا استراتيجيا، أعاد إليه زمام المبادرة الذى كاد يفلت منه تدريجيا منذ 11/9.
فى عام 2010 الصفقة الرئيسية من نصيب أحزاب «المعارضة» الرسمية، التى صارت بمرور الزمن أقرب لأجنحة للحزب الحاكم، وفقا لتوصيف قيادى بارز بأحد هذه الأحزاب. ولكن الصفقة أكبر كثيرا من مقاعد هنا وهناك، إنها صفقة سياسية أشمل، تحصل من خلالها هذه الأحزاب على بعض مقاعد الإخوان المسلمين، بينما تقوم هذه «المعارضة» بدور عالى الصوت فى «معارضة» المعارضة غير الرسمية التى تدعو لمقاطعة الانتخابات، وفى «معارضة» الرقابة الدولية على الانتخابات، بل وفى المساهمة فى تقويض جريدة «الدستور».
قبل نحو شهر من الانتخابات البرلمانية، جرت انتخابات اتحادات الطلاب فى الجامعات المصرية، وشهدت أعمال قمع وتدخلا واسع النطاق، بما فى ذلك شطب عدد من المرشحين، حتى إن أغلبية الاتحادات جرى تشكيلها بالتزكية دون حاجة لانتخابات، وحينما كانت هناك ضرورة لإجراء انتخابات، كان من الصعب إيجاد الناخبين.
ماذا نتوقع إذن فى إدارة انتخابات برلمانية ستلعب دورا حيويا فى تحديد فرص حق الترشح للانتخابات الرئاسية؟
خارج المشهد الانتخابى هناك معركتان حيويتان أكثر أهمية منه، لأنهما أكثر صلة بمستقبل هذا البلد. الأولى خارج المسرح ذاته، وهى تتعلق بالمدى الذى ستتمكن فيه جماعات المعارضة غير الرسمية المقاطعة ــ الشبابية وغير الشبابية ــ من العمل معا بكفاءة، ومحاولة التأثير السياسى على المشهد الانتخابى، وانتهاز الفرصة لتوجيه خطاب منسجم ومؤثر لعموم المصريين الذين يقاطع أغلبيتهم تلقائيا الانتخابات العامة.
إن أحد المتغيرات المهمة فى 2010 مقارنة بـ2005، هو أن الجماعات الشابة صارت المكون الرئيسى فى المعارضة غير الرسمية، والتى نجحت فى إدماج وسائل الاتصال الحديثة فى أساليب عملها.
المعركة المهمة الثانية تجرى خلف كواليس المسرح، بين الأقطاب المتصارعة داخل النظام الحاكم حول مستقبله وحول شخص الرئيس التالى، وبالتالى حول إنجاح أنصارهم من المرشحين فى الانتخابات باسم الحزب الحاكم. هذه هى المعركة «الانتخابية» الحقيقية، ولذلك ستكون الأكثر شراسة وربما دموية؛ لأنها تتصل بالصراع على موقع رأس نظام يقوم على حكم الفرد، ولأنها تجرى لتقاسم نسبة الـ80% من مقاعد البرلمان التى لن يتنازل عن أقل منها النظام الحاكم. هذا الصراع الداخلى هو أحد العوامل التى أجبرت الحزب الوطنى على أن يرشح شخصين أو أكثر للتنافس على المقعد الواحد! ليصير صراع الكواليس، هو الصراع الرئيسى فى الانتخابات القادمة.
أما بقية المقاعد، فليست هناك معركة كبرى تجرى حولها، فكما صرح مسئولون كبار فى الحزب الحاكم والحكومة، فإن حزب الوفد سيكون حزب «المعارضة» الأكبر فى البرلمان، بينما تتوزع بقية المقاعد وفقا «للرنين السياسى» لاسم هذا الحزب أو ذاك ــ بطريقة كرسى أو أكثر لكل حزب ــ بحيث يضم البرلمان القادم ممثلين لأكبر عدد من «الأحزاب» منذ يوليو 52، بما يساعد على تسويق نتائج «الانتخابات»، وترميم المشروعية السياسية لنظام الحكم التى تتهاوى منذ أكثر من أربعة عقود.
فى هذا السياق يمكن فهم موقف عموم المصريين الذين لن يذهبوا للاقتراع، ليس استجابة لدعوات المقاطعين، فالداعون للمقاطعة هم فى نهاية المطاف أقلية تنضم لأغلبية ساحقة تقاطع الانتخابات العامة منذ أكثر من نصف قرن.