صوت المثقفين
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 نوفمبر 2015 - 11:05 م
بتوقيت القاهرة
خلال خمسة أيام متتالية شهدت مكتبة الإسكندرية مؤتمرين الأول للمثقفين المصريين، والثانى انضم فيه المثقفون من بقية الدول العربية لأقرانهم المصريين، انصب كلاهما على حال الثقافة محليا وإقليميا. فى المعتاد يغلب على هذه النوعية من المؤتمرات التشخيص، والنقد، والتشريح، ويغيب عنها النظرة إلى المستقبل. هذه المرة، لحسن الحظ، كانت هناك نظرة مستقبلية فى شكل برامج محددة يمكن الأخذ بها.
يصعب بالطبع الخوض فى تفاصيل، لكن يمكن التوقف أمام مسألة أساسية هى مفهوم الثقافة ذاته. كيف يمكن أن يتحول من مفهوم «نخبة» إلى «جمهور»، كيف يتسنى تحويل الإصدارات الثقافية إلى ثقافة عامة يطالعها القارئ العادى ولا تقف فى محدوديتها عند القارئ المتخصص؟ أليس فى استهلاك الجمهور العام للمنتجات الثقافية هى الحداثة بعينها؟
المسألة الثانية هى المركزية بمعناها الجغرافى، والنخبوى، والجيلى، كيف يمكن تحقيق «العدالة الثقافية» بمعناها الواسع، بمعنى أن تذهب الثقافة إلى الأطراف، والمدن الريفية والحضرية على السواء، ولا تستأثر بها المدن الكبرى؟ متى تتخلص الثقافة من طابعها «النخبوى»، الذى يسيطر عليه الكهول، ويصبح هناك فضاء متسع، وفرص حقيقية أمام المبدعين الشباب؟
المسألة الثالثة هى التقدم والاستنارة، ونبذ أفكار التطرف والعنف.
هنا نقف أمام ملاحظة ذكرها «واسينى الأعرج» لماذا يبدأ عدد كبير من المثقفين فى طريق العلمانية، ثم ينتهى بهم الحال مدافعين عن التطرف الدينى؟ وهو الأمر الذى حاولت أن تفسره «منى فياض» بأنه اتجاه حكومات لكسب شرعية، أو وجود فائض تدين فى المجتمعات العربية.
هل يتصل الأمر بما ذكر منذ عقود من التزام أو خيانة المثقف لضميره الثقافى، وهو ما يقتضى ألا يقف فى منتصف طريق التقدم، متعرجا على أفكار وأطروحات هى فى ذاتها عنوان الرجعية؟
فى الحديث عن الثقافة شجون كثيرة، وعناوين فرعية لا تنتهى، لكن القضية التى تبدو محورية وأساسية هى كيف يمكن أن تكون الثقافة، فى لحظات التردى العربى غير المسبوق، طوق النجاة فى مواجهة التطرف، وبناء الوعى النقدى، والحفاظ على الذاكرة؟ مسألة صعبة تتطلب إعادة بناء المؤسسات الثقافية، وتحديث الصناعات الثقافية بمعناها الواسع، والتأثير على الوعى الجماهيرى بما نجحت فيه التكوينات المتطرفة، وفشلت فيه المؤسسات الثقافية حكومية وغير حكومية.
الثقافة الموازية هى عنوان عمل بحثى قام به الباحث سامح فايز، يحتاج بالتأكيد إلى نقاش معه.
من الأخبار السارة أن تطلق مكتبة الإسكندرية فى مطلع العام القادم مشروع ذاكرة الوطن العربى، للحفاظ على التراث العربى، وأرشفته إلكترونيا فى ظل مواجهة موجات عاتية من التخلف والرجعية والتهديد الحقيقى له، بالإضافة إلى استكمال مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ودعم نشر كتب التراث التى تبعث على العقلانية والاستنارة، وتجابه الغلو والتطرف.
التحدى الذى يواجه المؤسسات الثقافية جميعا فى العالم العربى هو التخلص من حالة «الكهانة الثقافية»، وتحويل الثقافة إلى منتج عليه طلب جماهيرى، وليست منتجات نخبوية، تنحصر فى جمهور صغير، بينما يعج المجتمع بأفكار التخلف والرجعية، وهذه مسألة ليست سهلة، ولكنها تحتاج إلى مؤسسات، وحراك ثقافى، وقبل هذا وذاك، إرادة سياسية بأن يكون للثقافة صوت مسموع، وليس مساحيق تجميل.