يحتفل العالم فى السادس عشر من نوفمبر بيوم التسامح العالمى. خبر فى سطور قليلة تكرر نشره فى عدد من صحفنا المصرية ما دون تفاصيل تدل على فاعليات تؤكد المعنى أو يمكن من لديه رغبة فى التسامح فى أن يدلى باعترافه أمام هيئة ما تهتم بالأمر أو تتبناه.
تصورت أن الأمر يتعلق بمنظمة الصحة العالمية حال اهتمامها بالصحة النفسية، فلجأت للصديقة العزيزة الأستاذة منى ياسين أسألها إذا ما كان هناك فاعليات لتأصيل تلك القيمة المتفردة من القيم الإنسانية كان أن تكرمت بأن أحالتنى إلى ما نشرته الأمم المتحدة عن قرارها الصادر باعتبار السادس عشر من نوفمبر يوما يحتفى به العالم بأسره بقيمة التسامح وأن يكون عام ١٩٩٥ عاما للتسامح وفقا لقرار الجمعية العمومية اتخذ بالإجماع عام ١٩٩٣ ثم أطلقت الأمم المتحدة حملة «معا» لتعزيز التسامح والاحترام والكرامة فى جميع أنحاء العالم والتى تهدف للحد من المواقف السلبية تجاه اللاجئين والمهاجرين بهدف تعزيز التكافل الاجتماعى بين الدول والمجتمعات المضيفة واللاجئين والمهاجرين على حد سواء.
تبع اليونسكو تلك المبادرة بأخرى أكثر تأثيرا أنشأ جائرة للاحتفال بالتسامح فى ذكرى المهاتما غاندى «مائة وخمسة وعشرون عاما على ميلاده». يتم منح الجائزة كل سنتين لمكافأة شخص أو مؤسسة أو منظمة ممن تميزوا بقيامهم بمبادرات جديرة بالتقدير بوجه خاص على مدار عدة سنوات ترمى إلى تعزيز التفاهم وتسوية المشكلات الدولية أو الوطنية بروح من التسامح واللا عنف».
بداية لا أتمنى أن تتصور عزيزى القارئ أننى أدس أنفى فى موضوع لا أحمل له كثيرا من الود ألا وهو السياسة. الواقع أننى أكتب فى صميم شأنى، التسامح أحد أرقى القيم الإنسانية وأكثرها فاعلية فى الحفاظ على حياة الإنسان.. غيابها ينعكس بصورة مباشرة على علاقة الإنسان بمجتمعه بأصدقائه بعائلته.. غيابها أيضا له نفس الأثر المباشر على شعوب العالم ودوله، وإلا ما وصلنا إلى ما قد آل إليه حالنا وما صرنا فيه من أحوال وكأنما قصة قايبل وهابيل مازالت المفضلة لدينا المهيمنة على مشاعرنا، الآسرة لعقولنا. هل التسامح صفة متنحية على موروثات الإنسان الجينية وليست صفة سائدة؟
هل تعانى المنظمات الدولية من انفصام الشخصية وهى تمارس الاحتفالات وتطلق التسميات على أيام تعيشها كواكب أخرى ما دونما كوكب الأرض؟
أسئلة كثيرة تنغرس فى رأس مسامير صدئة وأنا أراقب خراب العالم وضياع أجمل المدن وأكثرها حضارة، وتشرد أهل لها عاشوا أزمنة من الرخاء والعز والأمان يطردونهم الآن ويطاردونهم على الحدود المحمية بالألغام والأسلاك الشائكة والكلاب الشرسة.
لكن مهلا يا سادة.. رغم الصورة القاتمة الموحشة يبدو أنه مازال هناك فرصة وإن بدت ضئيلة كياسمينة بيضاء صغيرة تنبت بين الأحراش لكن عطرها الآسر يقهر الوحوش التى قد تسيطر على معالم الصورة.. بالأمس توقفت وقد ملأت الدموع عينى أرقب تجمع عدد من السيدات اشترين فى سعادة بعضا من المعجنات والمخبوزات السورية يبيعها طفل لا يتعدى الثانية عشرة من صنع عائلته التى تعيش فى مصر الآن على أمل العودة.. أعلم جيدا أنهن لسن بحاجة للشراء لكنهن بحاجة لدعم قيمة التسامح والإنسانية لكن بدون رغبة فى الحصول على جوائز وبعيدا عن فلاشات الإعلام.
الأمل فى الإنسان العادى وليس أبدا فى منظماته العالمية.