شهادة وفاة مدرسة
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الخميس 17 ديسمبر 2009 - 11:39 ص
بتوقيت القاهرة
«ما يقفلوها.. مايجيبوا درفها..إحنا بيجيلنا منها إيه؟.. تضييع وقت وكلام فارغ.. قمة التهريج.. إلهى يجيلهم ويحط عليهم اللى سايبينها مفتوحة لحد دلوقتى يااارب».. هذه هى بعض تصريحات أمهات تلاميذ ابتدائى وآرائهن وأمنياتهن القلبية الرقيقة للسادة القائمين على العملية التعليمية فى بلدنا الحبيب بخصوص إلغاء العام الدراسى وغلق المدارس من عدمه..
هم باختصار مش عايزين أولادهم يروحوا المدارس وأمنية حياتهم إنهم يناموا ويصحوا يلاقوا وزير الصحة ووزير التعليم طلعوا قرار 2×1 بوقف العام الدراسى..طبعا أمنياتهم دى فى الوقت الراهن شىء مفهوم.. أرقام الوفيات بإنفلونزا الخنازير كل يوم بتزيد وأخبار الإصابات المعلنة أصبحت شيئا اعتياديا زيها زى درجات الحرارة فى النشرة الجوية..
لكن أنا متأكدة زى ما انت متأكد إن مش هو ده السبب الوحيد اللى بيخلى الأهالى يتمنوا إعفاء أولادهم من الذهاب للمدرسة.. المدرسة يوم بعد يوم بيتراجع دورها وبتتراجع قيمتها فى كل بيت مصرى.. بعد ما كنا بنتريق زمان وبنتهكم على اختفاء كلمة التربية من مسمى وزارة التربية والتعليم، جاء الوقت لتختفى أيضا كلمة وفعل التعليم..عارف الصورة المعتاد نشرها فى الجرائد لمجموعة من الطلبة بيتسلقوا سور إحدى المدارس.. عارف إن الصورة دى أنا كنت باشوفها كل يوم على الطبيعة بس بالعكس..
على أيامنا (و أنا مش من زمان قوى على فكرة) كنا بنتسلق السور أو نتسلل من البوابة الخلفية للمدرسة عشان ندخل مش نهرب..الطلبة دائمو التأخر على الطابور (اللى كنت أنا الزعيمة بتاعتهم بلا فخر) كانوا دايما بيبحثوا عن وسيلة يقدروا يدخلوا بيها المدرسة لأنهم عارفين ومتأكدين إن اليوم الدراسى لا يعوض..لو غبت يوم عن المدرسة كانت بتحاصرنى نظرات اللوم من أهلى وتحقيق بالساعات عن كيفية تعويض الدروس اللى هتفوتنى اليوم ده..
ماكنتش باسمع عن أهالى بيدوروا على شهادة مرضية مضروبة عشان يعفوا أولادهم من تضييع وقتهم.. ولا عمرى سمعت مدرس أو مدرسة بيقولولنا إنتو إيه اللى بيجيبكم.. ماتقعدوا فى بيوتكم بقى.. مش هاقولك إننا كنا بنحب المدرسة ولا إنها كانت مليانة أنشطة محببة.. ما كانش فيه حتى حصة ألعاب وحصص الموسيقى والرسم كانت بتعتبر نكتة بايخة ونشاط يكاد يعاقب عليه القانون..
لكن على الأقل كنا بنتعلم.. آه كنا بناخد دروس.. بس درس.. اتنين.. مش كل المواد وكنا بناخدها فى ثانوى مش من (كى جى وان) زى دلوقتى.. فى مدة قليلة من الزمن دور المدرسة تدهور زى ما كل حاجة تانية فى حياتنا تدهورت.. ضعف مرتبات المدرسين هو السبب.. كثافة الفصول.. طول المناهج.. قصر مدة الحصص.. قلة الضمير.. إنشغال الأهالى.. الزحمة.. غياب المراقبة والمتابعة.. الأسباب كتير.. لكن النتيجة واحدة.. يوم ورا يوم بيختفى دور المدرسة وبتقل رغبة الناس حتى فى وجودها.. والسؤال هو: هل بعد انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية وعدم قدرة أو رغبة أحد فى محاربتها (لأن الجمهور عايز كده) ورغبة معظم أولياء الأمور فى عدم ذهاب أولادهم للمدارس واقتناعهم بعدم جدواها وأنها مجرد تضييع للوقت والمال فقط لا غير..
هل يجب علينا كمجتمع إننا نودع المدارس للأبد ونتجه لنوع بديل من التعليم؟.. التعليم فى المنزل مثلا.. اللى بنقول عليه منازل.. التعليم عن بعد عن طريق الإنترنت.. عن طريق القنوات الفضائية.. شرائط الفيديو.. الفيديو كونفيرانس.. وغيرها من الطرق؟..
أصل إحياء لدور المدرسة أعتقد بقى شىء صعب جدا دلوقت.. المدرسة دلوقتى بقت مجرد عذر لتعيين مدرسين وإداريين.. فلوس ــ بصراحة ــ بتترمى على الأرض وبتضيع على الفاضى.. مسرحية بنصرف عليها وقت وجهد ومال ممكن يستغلوا فى شىء تانى بالنسبة لعامة الناس يمكن يكون أهم.. لا أصبحت بتربى ولا حتى بتعلم.. يبقى لازمتها إيه؟.. سؤال أسأله وأنا بصراحة قلبى بيوجعنى من مجرد التفكير فيه.. لكن هل حان الوقت لإصدار شهادة وفاة المدرسة؟