النهاية المفتوحة
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الإثنين 17 ديسمبر 2012 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
لم أستطع للحظات أن أحول بصرى عن تلك العينين الواسعتين المكحولتين بحزن آسر يستدعى كل ما فى النفس من تعاطف ويلمس مواطن الضعف والشجن. تناولت أوراقها وأنا أسألها عن السبب الذى دفعها لزيارة معهد القلب.
غادة فى الرابعة والثلاثين من عمرها حامل للمرة الأولى فى الشهر الرابع أصيبت بجلطة فى الشريان التاجى وتعانى من تداعيات حمى روماتيزمية أصابتها فى طفولتها يلومها الأطباء فى قريتها مركز بنى سويف لتماديها فى الحلم ويحيلونها لطبيب القلب لإبداء الرأى قبل إجهاضها!
حينما انتهيت من فحص غادة ومطالعة ما حملته معها من نتائج فحوصات سابقة أدركت حجم الأثقال التى تئن تحت وطئتها روح تلك الشابة الجميلة وسر تلك النظرة التى يستوقفك فيها خليط مشاعر المرارة والألم والرغبة فى الصمود فى آن واحد.
غادة تعانى من مرض فى شرايين القلب التاجية يصيبها بالتصلب المبكر أدى إلى إصابتها بجلطة فى الشريان التاجى الأمامى. هى أيضا كانت ضحية حمى روماتيزمية أصابت صمامى الأورطى والميترالى بالضيق والارتجاع الأمر الذى يستوجب تغييرهما معا واستبدالهما اما بصمامات صناعية معدنية أو نسيجية وعلى هذا يتوقف إذا ما كانت ستظل بقية عمرها تتناول الأدوية المسيلة للدم أم لا.
كان الأمر بلاشك يحتاج إلى خبرات مختلفة فالقرار يتعلق بحياة الأم وجنينها فى آن واحد. لم أعدم خبرات متعددة لزملاء لم يترددوا فى المساعدة بمجرد أن دعوتهم. أطباء قلب وباطنية وجراحية وطبيب تخصص فى تقنية التصوير بالصدى الصوتى. وحينما اكتملت الصورة رجحت كفة الرأى الآخر فقد كان اجتهادى الشخصى فى جانب اكتمال الحلم الذى تمنيت على غادة أن أعاونها فى تحقيقه: احتفاظها بالطفل حتى لو كانت حياتها ثمنه.
كان رأيى أنه يمكننا فحصها بانتظام ومعاونتها على احتمال الأعباء التى يفرضها الحمل على الدورة الدموية حتى اكتمال الجنين ثم اللجوء لعملية قيصرية يحدد لها موعدا يسبق الخطر بلحظات. انحاز لرأيى زميلة وزميل وعدا بالتعاون فى أى لحظة فهل لونت المشاعر اختيارنا فجانبنا صواب العلم؟
هذا الأسبوع تخطت غادة الأسبوع الثالث فى شهرها الثامن ونستعد لتحديد موعد ولادتها فى قسم الحمل الحرج بمستشفى قصر العينى الجامعى بمعاونة زملاء لنا تطوعوا بالمساعدة. ثم كل هذا فى مؤسسات الدولة يدفعه جهد مخلص لأطباء يعرفون للمهنة حق قدرها ويدركون عن وعى قيمة النفس التى سواها الله سبحانه. لم يلجأوا إلا للامكانات التى يملكونها فى مواقعهم المجانية.
ادعو معنا أن تنجح النوايا الطيبة فى أن تعبر بغادة ذلك النفق المظلم وأن تحصل على حقها كاملا فى الأمومة وان يقدر لها يوما مشرقا تضم فيه وليدها إلى صدرها.
ادعو معنا ان ينتبه أصحاب الشأن فى هذا البلد أنه من الأجدى أن ينتبهوا لأقدار الناس المعلقة بدلا من التخطيط لإغراقها فى محيط المشكلات اليومية.
يا عالم نحن فى حاجة لقانون للتأمين الصحى فمازالت غادة (ان قدر لها النجاح) بحاجة لاستبدال صمامين وإجراء جراحة لاستبدال الشرايين التاجية.
مازالت نهاية القصة مفتوحة لكل الاحتمالات على حد سواء.