تتبدل الأزمنة ولا تتبدل المواجهة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 17 ديسمبر 2015 - 10:26 م
بتوقيت القاهرة
المجتمعات والقيادات التى تتصف بالنباهة والشعور بالمسئولية تدرك عادة ملامح تغيرات تدل على انتهاء حقبة قديمة تودعها وابتداء حقبة جديدة تستقبلها. والذين لا يتغيرون بتغير الأزمنة، وبالتالى تغير الناس وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، يجدون أنفسهم عاجزين عن مواجهة الحقبة الجديدة وحل قضاياها المختلفة عن قضايا الماضى.
من هذا المنطلق البديهى، والذى علمه التاريخ للبشرية عبر القرون وفى كل المجتمعات، يجب الحكم على البيان الختامى لقمة مجلس التعاون الخليجى الذى انعقد فى مدينة الرياض منذ نحو أسبوع.
فالقمة انعقدت بعد مرور أشهر على تراجع كبير وخطر فى أسعار النفط، وعلى تنبؤات متصاعدة بإمكانية بقاء ذلك التراجع لعدة سنوات قادمة.
والقمة انعقدت إبان فترة كثر الحديث فيها عن خطوات تقشفية ستخطوها حكومات المجلس، خطوات ستمس الحياة الاقتصادية والخدمات الاجتماعية فى البلدان الستة.
وإذا تمت تلك الخطوات التقشفية، بأشكالها المختلفة الممتدة من رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والماء والسلع الغذائية إلى إمكانية استحداث أنظمة ضريبية مباشرة وغير مباشرة، فإننا بصدد مراجعة كبيرة فى واقع وطبيعة الدولة الريعية البترولية ــ الغازية الخليجية. وهذا بدوره سيعكس نفسه فى طرح أسئلة كبرى تتعلق بالشرعية السياسية وبطبيعة دولة المستقبل، دولة ما بعد انتهاء أو تعديل الحقبة الريعية التى عاشتها دول مجلس التعاون منذ بدء اكتشافات البترول والغاز فى باطن أراضيها.
نحن إذن فى بداية إرهاصات تنبئ بمجىء مستقبل يختلف عن الماضى وعن الحاضر ويستدعى انتقال مجتمعاتنا إلى قيم جديدة وعلاقات مجتمعية معقدة وأنظمة حكم مبنية على أسس جديدة.
المشهد الذى رسمناه تتضح معالمه أكثر فأكثر يوميا، والحديث عما سيأتى به المستقبل ينتشر فى كل منابر الإعلام ووسائل التواصل المجتمعية، وبالتالى فإنه مشهد يحتاج إلى تحليل وفهم وإعداد لمواجهته فى الحال ودون أى إبطاء.
من هنا كنا نعتقد أن البيان الختامى لقمة دول مجلس التعاون سيأتى على ذكر خطوات ستتخذ من أجل تحليل ذلك المشهد وفهمه فهما عقلانيا موضوعيا وعصريا، وذلك من أجل التعامل مع إفرازاته فى المستقبل المنظور. لكن البيان لم يشر إلى موضوع تغير حقبة البترول، ومعها حقبة الدولة الريعية، لا مباشرة ولا بشكل إيماءات تدل على أن هذا الموضوع كان فى بال المجالس واللجان والهيئات التى رفعت تقاريرها وتوصياتها إلى القمة أو أن القمة أخذت المبادرة وطرحت الأسئلة وطلبت من مختلف الجهات المعنية، سواء فى أمانة مجلس التعاون أو فى الدول، تقديم أجوبة فى المستقبل القريب.
***
ولعل أفضل دليل على غياب التحسس العميق القلق بتغير الأزمنة هو عدم مطالبة الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى بدراسة هذا الموضوع المعقد الخطر، بل بدلا من ذلك طلب من الهيئة الاستشارية تلك دراسة التعاون البيئى وتعزيز دور القطاع الخاص وإنتاجية المواطن الخليجى، وهى مواضيع فرعية تدور حول الموضوع الأساسى وتمس أطراف الحقبة الجديدة، ولكنها لا تذهب إلى أعماق الموضوع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ومن الواضح بصورة جلية، من خلال قراءة متأنية للبيان الختامى، أن القمة قد انشغلت إلى حدود الهوس بالقضايا الخارجية وذلك على حساب القضايا الداخلية التى يؤكد الرعد والبرق فى سماء دول مجلس التعاون أنها فى طريقها لتكون عواصف تحمل الكثير من الأخطار.
بل إننا سنضيف إلى كل ما سبق الشعور المقلق، عند قراءة البيان، بأن موضوع انعكاس الخارج على الداخل، وبالتالى قرب مراجعة ما تقوم به دول المجلس فى الخارج، هو الآخر لم يحض بالاهتمام الكافى. وعندما ندرك بأن دول المجلس هى دول صغيرة ومحدودة الإمكانيات والتأثير فى الاستراتيجيات الدولية البالغة التعقيد نصل إلى نتيجة مؤداها أن التعامل مع الخارج بمعزل عن تأثيراته على الداخل هو تعامل يحتاج إلى مراجعة قبل فوات الأوان.
لقد ارتكبت دول مجلس التعاون الخليجى، عبر الحقب وبصور شتى، ممارسات أدت إلى وجود مشاكل ديموغرافية تهدد هويتها العروبية والوطنية، وإلى إهمال فى استعمالات الفوائض البترولية لبناء اقتصاد إنتاجى ومعرفى يوصل إلى تنمية إنسانية متوازنة مستدامة، وإلى تراكم فى المشكلات السياسية والاجتماعية، وإلى تعاظم فى الصراعات الإقليمية الأمنية والطائفية العبثية، وإلى تباطؤ فى بناء مجلس التعاون ليكون قويا وقادرا ونشطا وكفؤا، وذلك بسبب عدم مواجهة الأمور ووضع الحلول بصورة مبكرة وبصورة وقائية، وها نحن اليوم نواجه إمكانية الانتقال من حقبة تاريخية قديمة إلى حقبة تاريخية جديدة فنفعل نفس الشىء تجاهها: نؤجل تحليلها وفهمها واتخاذ الخطوات لمواجهة أخطارها المستقبلية.
نحن لا نقرأ التاريخ ولا نفهم التاريخ، ولذلك نظل لا نفهم الحاضر بصورة صحيحة، لننتهى بارتكاب أخطاء تاريخية كبرى تحيل تاريخنا إلى مجموعة متراكمة من الأخطاء والخطايا.
مفكر عربى من البحرين