انتهاء اللعبة الانتخابية.. وبدء إرهاصات التغيير
إيريني سعيد
آخر تحديث:
الأحد 17 ديسمبر 2023 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
تبرز الانتخابات ضمن مرتكزات آليات النظم الديمقراطية، سيما إذا ما أجريت فى إطاريها القانونى والسياسى، كما تعد أبرز ملامح النظم الرئاسية، وبموجبها يتم انتخاب رئيس البلاد عقب مجموعة من الإجراءات والضوابط، ولعل حالة الحراك الوطنى ــ وليس السياسى ــ والتى شهدتها البلاد، استحقت أن يسلط عليها الضوء، كونها تأتى فى مقدمة ملامح المشهد الانتخابى المصرى 2024، غير أن مجموعة من العوامل أسهمت هى الأخرى فى إخراج المشهد، كما برز على هذا النحو الوطنى والاحتفالى، ومن ثم تبرز عدة من الملاحظات...
ــ امتزاج مفهومى المشروعية والشرعية، فلا شك فى وجوب تمتع الرئيس المقبل للبلاد بعاملى الشرعية والمشروعية معا، فإن كانت الشرعية قد توفرت عبر مجموعة الإجراءات القانونية والتى تمت فى ضوئها العملية الانتخابية، وقد تكتمل بحصول هذا الرئيس على أغلبية الأصوات، ومن ثم إعلان تقلده مقاليد الحكم، فإن المشروعية لن تكتمل إلا بحصول نفس الرئيس على رضا المواطنين والمواطنات، وهو ما تحقق بعض منه فى إطار المشاركة الموسعة والنزول بكثافة للإدلاء بالأصوات، إلا أن اكتمال هذه المشروعية، لن يحدث بغير مجموعة من السياسات المجدية، والتى من شأنها التخديم على المواطنة والمواطن، مع تحقيق معدلات تذكر من تنميتهما وعلى جميع المستويات.
ــ ضمان سير العدالة الانتخابية، تمكنت المؤسسات التنفيذية والتشريعية المختلفة من ضمان سير العدالة الانتخابية، وفى المقدمة الهيئة الوطنية للانتخابات، والتى أجادت إدارة العملية الانتخابية برمتها، وساعدها فى ذلك استقلالها على جميع المستويات التقنية والمالية وحتى الإدارية، وبموجب الدستور، حيث تمكنت من إعمال الدستور منذ انطلاق العملية الانتخابية وفتح باب الترشح، وحتى إعلان النتائج اليوم، الإثنين، وذلك بموجب المادة 140 وتنص: «ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوما على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوما على الأقل. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة». والمادة 141 وتنص: «يشترط فيمن يترشح رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين وألا يكون قد حمل أو أى من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانونا وألا يقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية، ويحدد القانون شروط الترشح الأخرى». والأهم المادة 142، وفيها «يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكى المترشح عشرين عضوا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. وفى جميع الأحوال لا يجوز تأييد أكثر من مترشح، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون». كما تنص المادة 143 «ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام السرى المباشر، وذلك بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة، وينظم القانون إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية»، أيضا فى المادة 144 «يشترط أن يؤدى رئيس الجمهورية قبل أن يتولى مهام منصبه أمام مجلس النواب اليمين الآتية: أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه. ويكون أداء اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا فى حالة عدم وجود مجلس النواب»، وهى المادة المقرر إعمالها خلال أيام، وعقب حصول أحد المرشحين على أغلبية الأصوات.
ــ اجتازت البلاد بجميع مؤسساتها وقبيل الانتخابات حالة من الحراك الوطنى والشعبوى، شاركت فيه معظم أجهزة الدولة بدءا من السلطات التنفيذية والتشريعية، وحتى الأحزاب، والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى والجمعيات وغيرها، أيضا المؤسسات الروحية بقطبيها، وربما استهدفت هذه النوعية من الحراك الوطنى وليس السياسى تعزيز الولاء الوطنى، وضرورة التحرك من أجل الاستحقاق الدستورى والوطنى الأهم بالبلاد، ولم يكن الحراك سياسيا من أجل الحشد لمرشح بعينه، وإلا لم يكن ليكتسب هذا الزخم وهذه التعبئة، وإن شهدنا بعض التحزبات السياسية، والتى قد تفهم فى إطار المنافسة بين المترشحين على منصب رئيس الجمهورية.
ــ موضوعية وسائل الإعلام سواء الداخلية أو الإقليمية والدولية، فبينما تمكن الإعلام الداخلى من الامتثال لأبرز معايير المهنية، وما تقتضيه من مفاهيم الحيادية والموضوعية، والأهم إفساح المجال أمام جميع المرشحين والوقوف على مسافة واحدة، انصاع الإعلام الإقليمى والدولى لحقيقة مفادها حالة التنظيم والضوابط والتى امتثلت لها العملية الانتخابية المصرية، فلم تسجل حالة واحدة من الإخفاقات أو حتى خروقات، وجاءت جميع المتابعات إيجابية وسلسة.
ــ حساسية الظرف وفى ظل المتغيرات المحيطة وعلى المستويين الإقليمى والدولى، ومع ذلك أجريت الانتخابات وبكامل أركانها، وكان من الممكن أن نشهد استفتاء أو انتخابات على مستوى الغرف النيابية المغلقة، وهو ما كان سيتم تفهمه مجاراة للأوضاع، ومع ذلك لم يحدث، ومورست العملية الانتخابية وعلى نحو ضمن اتفاقها والأطر الدستورية، كما أوضحنا أعلاه.
• • •
جميعها ملاحظات تتجه وما يتفق وإرهاصات حقيقية نحو إرساء معايير الديمقراطية، أيضا وتغييرات قادمة تتواكب والجمهورية الجديدة، وفى ضوء قناعة سياسية مهمة مفادها أن النظم تعد وتستقر من أجل الأفراد، أى إن الدول نفسها تقام من أجل المواطنين، وليس العكس، وأن هؤلاء المواطنين إن لم يمنحوا لن يمنحوا.