حصاد عام من الثورة
محمود غزلان
آخر تحديث:
الأربعاء 18 يناير 2012 - 9:10 ص
بتوقيت القاهرة
الثورات أحداث قليلة فى تاريخ الأمم ولكنها أحداث كبيرة فى آثارها، فهى غالبا تحول مجرى الحياة وتغير الحكومات والنظم تغييرا جذريا فتهدم القديم الفاسد وتشيد الجديد الصالح، وفى سبيل ذلك تدفع الشعوب ثمنا غاليا من الدم والأرواح والضحايا والخسائر لأن القديم حكاما وأنظمة لا يُسَلِّم بسهولة بل لابد أن يخلع عنوة، ولهذا عبر القرآن الكريم عن هذه العملية بالانتزاع فى قوله تعالى: «قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير».
ولما كانت الثورة عملية ضخمة والتغيير الذى يصاحبها يمتد إلى كل جوانب الحياة ويتم التغيير من الجذور فهى دائما تستغرق وقتا حتى تحقق أهدافها، وهذا الوقت دائما ما يكون مشحونا بالاضطراب والقلق، ولكنه أيضا يكون مفعما بالرجاء والأمل.
ودائما ما تتعرض الثورات لمحاولات إجهاض من أتباع النظام القديم الذين يفقدون امتيازاتهم وأولئك الذى تتهدد الثورة مصالحهم أو يخشون من فتح ملفاتهم، ومن عملاء الدول الخارجية الذين يخشون الانقلاب على سياساتهم، والتحرر من التبعية لهم، ولذلك تكثر الفتن والقلاقل وتحدث الصدامات والخسائر.
كما أن الثورات تتعرض أيضا لمطامع قراصنة من هنا ومن هناك يريدون تحويل مسارها إلى الوجهة التى يريدون، والاستحواذ على المنافع التى إليها يطمحون، أو الحلول محل الحكام المخلوعين، أو الحصول على امتيازات للفئات التى إليها ينتمون، كل ذلك دون أدنى اعتبار لإرادة الشعب ومصالحه والوطن وضروراته القومية.
ولذلك تكثر الشائعات والحملات الإعلامية والمعارك المصطنعة والمواقف المتشنجة بغية الإبقاء على فترة القلق والاضطراب إلى أطول مدة ممكنة خوفا من الديمقراطية والاستقرار وسيادة الشعب واستكمال المؤسسات الدستورية على المصالح الخاصة.
ومن هنا وجدنا من ينكر أن ثورتنا المجيدة فى 25 يناير 2011 قد حققت أى إنجاز حتى الآن، ووجدنا فى نفس الوقت من يدعى العكس، والحقيقة أننا مازلنا فى منتصف الطريق فقد تحققت ــ بلا ريب ــ أهداف كبيرة وبقيت أيضا أهداف كبيرة لم تتحقق حتى الآن، لذلك رأيت أن أعرض الأمرين معا حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، وحتى يعقدوا عزمهم ويوجهوا طاقاتهم وجهودهم من أجل استكمال ما لم يتم إنجازه حتى الآن.
أولا: ما تم إنجازه خلال العام المنصرم:
ـ الإطاحة برأس النظام وكبار رموزه، وتقديمهم للمحاكمات وإن كانت بطيئة، وكذلك تقديم الضباط المتهمين بقتل الشهداء إلى المحاكمة.
ـ حل مجلسى الشعب والشورى وكذلك حل المجالس المحلية.
ـ السماح بإنشاء الأحزاب السياسية بمجرد التقديم للجنة القضائية.
ـ الاستفتاء على تعديل الدستور.
ـ وضع خريطة طريق لنقل السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى السلطة المدنية المنتخبة.
ـ إجراء انتخابات مجلس الشعب بطريقة جيدة إلى حد كبير وتأمينها.
ـ إجراء انتخابات عديد من النقابات المهنية.
ـ قيام أساتذة الجامعات بانتخاب رؤساء عدد من الجامعات وعمداء الكليات رغم عدم وجود قانون ينص على ذلك.
ـ السماح بالتظاهر السلمى فى مليونيات عديدة دون تدخل.
ـ تطهير جزئى لوزارة الداخلية.
ـ تعويض أهالى الشهداء والمصابين.
ثانيا: أهداف كان المفروض أن تتحقق وأخطاء ما كان ينبغى لها أن تحدث:
ـ استمرار حالة الطوارئ رغم التأكيد على إنهائها قبل الانتخابات.
ـ المحاكمات العسكرية للمدنيين، وهتك أعراض بعض الفتيات بكشف العذرية وسحل وتعرية إحداهن والاعتداء على أخريات فى أحداث مجلس الوزراء.
ـ التباطؤ فى الاستجابة لمطالب الشعب، الأمر الذى اضطر الناس للنزول فى مليونيات للضغط على المجلس العسكرى من أجل الاستجابة لها، وكان الأصل ألا يحتاج الشعب إلى التظاهر بعد 11/2/2011م وأن تتم الاستجابة لمطالبه بالسرعة المطلوبة باعتبار الشعب والجيش شريكين فى الثورة.
كان من توابع النقطة السابقة أن تكرر الاعتصام فى ميدان التحرير بما نتج عنه من أحداث مؤسفة نتيجة محاولات فض الاعتصامات بالقوة مما أدى إلى سقوط شهداء ومصابين جدد واعتداءات نرفضها تماما (ماسبيرو ــ محمد محمود ــ مجلس الوزراء).
ـ غياب الأمن وانتشار الجرائم وسطوة البلطجية.
ـ تأخير إجراء الانتخابات البرلمانية حيث كان المفروض إجراؤها فى شهر يونيو 2011م مما أدى إلى إطالة الفترة الانتقالية التى كان الواجب ألا تزيد عن ستة أشهر فأصبحت الآن نظريا سنة وستة أشهر.
ـ كان من نتائج إطالة الفترة الانتقالية بسلبياتها العديدة أن توقفت عجلة الإنتاج فى كثير من المصانع وخرجت أموال كثيرة من مصر، وامتنع المستثمرون عن القدوم إليها بأموالهم، وتآكل رصيد العملة الأجنبية من البنك المركزى، وكل ذلك أثر تأثيرا سلبيا على الاقتصاد المصرى.
ـ محاولات الالتفاف على إرادة الشعب التى تمثلت فى استفتاء مارس 2011م مرات عديدة بمؤتمرات الدكاترة يحيى الجمل وعبدالعزيز حجازى ووثيقة السلمى بما حملته من رغبة فى تمييز الجيش بحيث يصبح دولة فوق الدولة وفوق الدستور، وكذلك تحديد معايير اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور افتئاتا على حق مجلسى الشعب والشورى المنتخبين.
ـ عدم تطهير أجهزة الإعلام رغم ترويجها ودفاعها وتملقها لفساد النظام البائد واستمرار بعضها فى التضليل حتى الآن.
ـ عدم تطهير القضاء رغم أن فيها من شاركوا فى تزوير انتخابات 2005م وإصدار أحكام مسيسة استجابة لهوى الحكام.
ـ عدم اتخاذ إجراء عملى حتى الآن فى مجال العدالة الاجتماعية، خصوصا وضع حد أدنى وأعلى للأجور.
ـ التباطؤ الشديد ــ إن لم يكن التوقف ــ عن السعى لاستعادة الأموال التى نهبها وهربها رءوس النظام السابق وأركانه، وهى تبلغ المليارات التى تحتاجها البلاد أشد الحاجة.
كان هذا هو حصاد العام المنصرم، ونرجو ألا ينصرم العام الحالى إلا وتكون كل الأهداف قد تحققت ــ بفضل الله ــ ثم بدأب الشعب، وتم نقل السلطة وبدأنا فى طريق البناء والنهضة، وهو الطريق الأصعب والأشق فالهدم سهل ولكن البناء هو الصعب الذى تمتحن فيه صلابة الرجال والشعوب.